بين قمتي جدة وطهران: خلط أوراق وتغير حسابات

4aad7499-be24-4cfa-9879-82238627f90a

إنعقدت قمة طهران أمس بين الرئيسين الروسي والإيراني رداً على قمة جدة حيث أراد الرئيس فلاديمير بوتين، إيصال رسالة للأميركيين أولاً مفادها أن روسيا أيضا ، لا تزال لاعباً دولياً وإقليمياً رغم انهماكها في حرب أوكرانيا وأن لموسكو أوراقاً تمتلكها في الشرق الأوسط كما لواشنطن، وبالتالي لا يمكن لواشنطن ملء كل الفراغات .

لكن الأهم من انعقاد القمة الثنائية موقف إيران وما يمكن استخلاصه من لقاء الرئيس رئيسي بالرئيس بوتين .بدايةً لا بد من استخلاص ما بين القمتين في جدة وفي طهران ما يلي :

في الشكل في مقابل جدة أي المملكة العربية السعودية كمركز محوري هناك طهران أي ايران في الجهة المقابلة - أي تأكيد وجود محورين شرق أوسطيين الأول بدعم اميركي والثاني بدعم روسي أقله في الشكل إن لم تكن دول الخليج تريد سياسة المحاور .

في المضامين ، نلاحظ أن قبل قمة جدة كانت سياسة أميركا الإنسحاب من المنطقة من أفغانستان إلى العراق بالإضافة إلى اعتماد نهج القطيعة في التسليح واعتماد سياسة اللادعم الأمني للحلفاء المفترضين ولا بطاريات باتريوت ولا أنظمة انذار مبكر للمملكة العربية السعودية والإمارات ، وإذ وبعد قمة جدة ، نشهد عودة أميركا إلى المنطقة والتزامات بدفاع وأمن مشترك مع دول المنطقة والذهاب بالرئيس جو بايدن إلى حد إطلاق التحدي بملء الفراغ في وجه الصين وإيران وروسيا في الشرق الأوسط - فبذلك عاد الشرق الأوسط مجدداً في صلب الأمن القومي الأميركي .

والملاحظ أن أبرز مفاعيل قمة جدة، إنهاء حقبة العام ١٩٧٩ عندما زرعت واشنطن والغرب معها نظام الملالي في إيران على حساب دول المنطقة فإذا ومع قمة جدة تنتهي تلك الحقبة من المفاضلة أميركياً بين العرب والفرس .ومن تداعيات قمة جدة أنها كرست التخلي النهائي من واشنطن عن فكرة العودة لاتفاق ٢٠١٥ النووي مع إيران ومعها انتهت مرحلة الهرولة والتنازلات الأميركية. وأصبحت القوة آخر المطاف مع إيران بحسب تصريح الرئيس بايدن في إسرائيل - وهذا الكلام ، إن دل على شيء، فعلى تغيير جذري في سياسات واشنطن التخادمية مع إيران ، حيث مع قمة جدة انتهى هذا التخادم الذي كان منطلقه أحداث ١١/٩ ومع انتهاء التخادم الأميركي، انتهى أيضًا التخادم الإيراني الإسرائيلي والإسرائيلي الروسي في سوريا خاصة بعدما أيقن الاميركيون والاسرائيليون ان ايران لم تعد فزاعة العرب كما ارادوها ان تكون - وقد أتقن الخليج والعرب كيفية التعاطي مع غطرستها ولذا انتقلت أولويات واشنطن باتجاه تفكيك المحور الشرقي الثلاثي أي الإيراني الروسي الصيني .إيران من جهتها، ومع قمة طهران مع بوتين وكأنها تخلت عن الورقة الأميركية باتفاقها مع الروس وتقربها منهم وبالتالي اصطفت طهران إلى جانب روسيا ضد أميركا - فهل باصطفاف روسيا مع طهران يخاطر الرئيس فلاديمير بوتين بعلاقاته مع السعودية ؟

الأكيد أن المصيبة تجمع - فروسيا وإيران جمعهما تحدي واشنطن وعقوبات أميركا ضدهما وبالتالي إن تحدي روسيا مع إيران لأميركا يمس مصالح دول الخليج الشريكة لواشنطن بعد قمة جدة، بما يمكن أن يمنع استمرار التقارب الروسي مع السعوديين والخليج العائدة واشنطن اليهم من بوابة العودة إلى المنطقة .فالعلاقات الروسية السعودية قد تتأثر سلباً ومعها يتأثر اوبيك بلاس على سبيل المثال - خاصة إذا صدقت واشنطن في دعمها وعودتها الفاعلة مع دول المنطقة إلى جانبها كما تعهدت في بيان قمة جدة .

من جهة اخرى واذا صدقت المعلومات - حول بيع ايران مسيرات لروسيا - مع اننا لا نعتقد ان روسيا محتاجة لمسيرات ايران وموسكو تملك تكنولوجيا عسكرية اكثر تطورا من الايرانية - ولكن ومع ذلك وعلى افتراض حصول تزويد ايراني لروسيا بالمسيرات ، ألا يعني ذلك تسليح روسيا ضد أوروبا والناتو ما يعني خسارة إيران علاقاتها وتواصلها مع الأوروبيين طوال السنوات الماضية؟ على صعيد آخر ، واحدة من أكبر الصعوبات التي تواجهها دول الخليج ولا سيما المملكة العربية السعودية تبقى في كيفية تفاهم السعودية مع إيران ذات النظام الثوري المسلح التوسعي والمزودة لميليشيات الحوثي بالصواريخ والمسيرات لضربها . فهل الحوار بينهما ينتظر تغييراً ما في بنية النظام الإيراني تعيد إيران الى طبيعة أية دولة وطنية ؟ وقد شدد السعوديون على أن إيران جارة لكن عليها عدم التدخل في شؤون دول المنطقة.

وتبقى الاولوية لدى السعودية ودول الخليج في هذه المرحلة : سحب العراق من محور ايران الصين روسيا ولهذا كان التركيز على العراق في قمة جدة، على تصاريح ومواقف وحضور رئيس وزرائه الكاظمي التي وفي التعامل المميز الذي لقيه من الاشقاء السعوديين ، خاصة بعد فضيحة تسريبات المالكي الأخيرة والتي تستبيح الدم العراقي لإبقاء العراق في المعسكر الإيراني في مواجهة الشيعة العرب الممثلين اليوم بمقتدى الصدر .

فبين قمة جدة وقمة طهران خلط أوراق إقليمية ودولية على الساحة الشرق أوسطية تنذر بتحولات متسارعة شديدة التأثير على مجمل الحسابات الجيو سياسية .

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: