لا يختلف اثنان على أن الإجراءات التي تستعد الحكومة لإطلاقها من أجل إعادة الإنتظام المالي، وبعد خمس سنوات على انهيار القطاع المصرفي، تتناسب فقط مع “مصالح” حكومة تصريف الأعمال أو “الدولة” المتهمة من المودعين والمصارف، وتوجهاتها غير المعلنة بشطب الودائع ولو تحت شعار استعادتها وحمايتها، وتالياً القضاء على المصارف التي سترمي عليها الحكومة مسؤولية ردها بمعزلٍ عن واقعها الحالي.
وترى مصادر إقتصادية مواكبة لهذا الملف، أن ما أنجزته الحكومة وتحديداً نائب رئيسها سعادة الشامي، من مشروع قانون معالجة أوضاع المصارف وإعادة تنظيمها، ليس سوى استنساخ للخطة السابقة، التي تطمس الخسائر وتعمل على تغييب المسؤولين عن ضياع أكثر من 160 مليار دولار من الودائع، وبالتالي إلقاء هذه المسؤولية على المصارف أولاً وتصنيف الودائع بين مؤهلة وغير مؤهلة، مع اعتماد آليات غير واضحة لإعادتها إلى أصحابها.
وعلى الرغم من أن المشروع المذكور لم يوزع بعد على الوزراء للإطلاع عليه ووضع ملاحظاتهم، فإن ما تم تسريبه من مواد، يحمل الأوهام للمودعين، على حد قول المصادر الإقتصادية المواكبة، فيما تنظر المصارف بريبةٍ إليه، خصوصاً وأن جهات بارزة في جمعية المصارف قد اطلعت على بعض ما ورد فيه من بنود تتعلق بإعادة الودائع ومن دون الأخذ في الإعتبار واقع القطاع المصرفي الفعلي.
فعلى صعيد الودائع، فإن بعض بنود المشروع المذكور تنصّ على “إعادة الودائع في المصارف الأجنبية العاملة في لبنان بشكل كامل إلى المودع، فيما بالنسبة للودائع في المصارف المحلية، والتي تتجاوز النصف مليون دولار، فعلى صاحبها، إثبات شرعيتها سواء أكان مصدرها الداخل أم الخارج، ولا سيما الافصاحات الضريبية الخاصة بها، كما على المصرفيين التصريح عن أموالهم المنقولة وغير المنقولة في الداخل والخارج اعتباراً من العام 2015”.
كذلك ورد في بنود مشروع الحكومة، أنه على الموظف العام الذي يملك في حسابه 300 ألف دولار وما فوق، إثبات مشروعية أمواله، وإعادة فائض أرباح المصارف والمصرفيين ومكافآتهم وغيرها من الامتيازات التي تزيد عن المتوسط المصرفي العام، وذلك اعتباراً من العام 2016 وصولاً إلى استعادة كل مبلغ يزيد على 100 ألف دولار هرّبه صاحبه الى الخارج، وهو ما قد يبدو من حيث الشكل، حاسماً لجهة التدقيق في مصادر الأموال والمستفيدين من السياسات المالية السابقة، ولكنه محكوم بالكثير من الإستنسابية لجهة التنفيذ، علماً أن الكثير من علامات الإستفهام سوف تُطرح لاحقاً حول الجهات التي ستحدد الآليات القانونية المعتمدة بالنسبة للرقابة وإطلاق الأحكام حول الحسابات المصرفية، وذلك في ضوء ما يتم تداوله من توجهات إلى تأسيس مصارف جديدة في لبنان، خصوصاً وأن معلومات قد تحدثت عن منح رخص لخمسة مصارف بالدخول إلى القطاع في المرحلة المقبلة.
ومن شأن التمهيد للقضاء على القطاع المصرفي الحالي، أن يؤسس في الوقت عينه وكما تكشف المصادر نفسها، إلى ضياع الودائع، مع العلم أن تصنيف ودائع اللبنانيين بين مؤهلة وغير مؤهلة، يحمل الكثير من التأويل، بعدما تسرّب من المشروع المذكور، بأن المبلغ المحمي من الودائع المؤهلة حتى 100 ألف دولار، ومن غير المؤهلة حتى 36 ألف دولار، ستدفع لأصحابها مناصفة بين مصرف لبنان والمصارف، على أن يحسم منها السحوبات والتحويلات وما سدّد من قروض بالليرة وكل الأموال المقبوضة وفق تعاميم مصرف لبنان، خصوصاً مثل التعميم 158 الذي يحصل بموجبه المودع على 400 دولار في الشهر، علماً أنه سبق وأن تعرضت هذه الوديعة للإقتطاع بنسبة تصل إلى 85 بالمئة من قيمتها عندما كان يحصل كل مستفيد من التعميم 158 على 400 دولار نقداً و400 دولار وفق سعر دولار السحوبات.
أمّا على صعيد الودائع المؤهلة، فإن مشروع الحكومة، ينص على تسديدها في مدى 10 الى 15 سنة بدءاً من 300 دولار، ثم ترتفع الى 800، وغير المؤهلة تسدّد بين 10 و15 سنة أيضاً بدءاً من 200 ثم صعوداً إلى 400، وبالنسبة للودائع المؤهلة التي تزيد على 100 ألف دولار تُحسم منها الفوائد من 2015، ويسدّد جزء، اختيارياً إذا قبل العميل، بالليرة بقيمة 20% من سعر الصرف، وبتحويل ودائع الى أسهم بمعادلة 5 دولارات تساوي دولاراً، وبالنسبة لغير المؤهلة 10 دولارات مقابل كل دولار.
في الموازاة، فإن المشروع يؤسس صندوقاً لاسترداد الودائع بشروط معينة تتم تغذيته من الأموال غير المشروعة المستردة وبعض إيرادات الدولة بشروط معينة (قاسية)، وتحوّل ودائع الى سندات مالية مصنفة A أو أعلى (للمدى الطويل) على أن يسدّد مصرف لبنان قيمة هذه السندات مناصفة مع المصارف، وبالتالي، فإن ربط الودائع ومصيرها مجدداً بسندات وبصندوق استرداد الودائع، يُدخل الملف برمته في الضبابية والغموض، ويضع شبهةً حول جدية الحكومة في استرداد الودائع التي تؤكد المصادر أن تحديد مسار انتقالها من لبنان إلى الخارج سواء قبل أو بعد الإنهيار، كما تأخير إقرار قانون الكابيتال كونترول، هي خطوات كان من المطلوب اتخاذها في العام 2019 لكي تكون فاعلة وتؤمن حماية الودائع بشكل عملي ومن دون انهيار القطاع المصرفي، بدلاً من وضع المودع بوجه المصرف ودخول الطرفين في نواعاتٍ لا تنتهي.