تشارلز الثالث بعد اعتلاء العرش البريطاني وتحدّيات "المَلَكية الجذّابة"!!

fcsnk8naiaasbuj

يسجّل التاريخ، من اليوم السبت ٦ أيار ٢٠٢٣، بدء مَلَكية شارلز الثالث خلفاً لوالدته اليزابيت الثانية التي قادت الملكية البريطانية زهاء نيف وسبعين عاماً.

السؤال الكبير الذي يُطرح اليوم يتناول ماهية التحدّيات التي تنتظر الملك الجديد لأقدم العروش الملكية وأكثرها تأثيراً في السياسات العالمية على الإطلاق.

تواجه الملكية البريطانية تحديات لا توصف "بالسلسة" مثلما حدثَ في مراسم الخلافة الملكية، والتي شهدت بعد أقل من 48 ساعة من وفاة الملكة إليزابيث الثانية إعلان الملك تشارلز الثالث رسمياً الملك الجديد لبريطانيا،
لكن الواقع أعقدُ من ذلك، إذ اعتلى تشارلز العرش في وقت مليء بالتحديات بالنسبة للمملكة المتحدة، فالملك الجديد يواجه "تحديات غير مسبوقة" من شأنها أن تحدد، للأفضل أو للأسوأ، عهده والعهود التالية له.

أولى التحديات التي تنتظر الملك تشارلز الثالث أزمة الطاقة في البلاد، تلك المواجهة التي تغيّر النظرة والفكر تجاه النظام الملكي في البلاد بعد حكم والدته الراحلة الذي دام 70 عاماً، فملايين العائلات في بريطانيا تواجه نقصاً محتملاً في الوقود هذا الشتاء مع زيادة الضغوط التي تواجه أسعار الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا، وتشير التوقعات الأكثر تشاؤماً إلى أن ما يصل إلى 45 مليون شخص سيكافحون من أجل دفع فواتيرهم، أي ثلثي سكان البلاد.
ويعتقد بعض الخبراء أن تتويج تشارلز الثالث سيكون أصغر وأقل فخامة من تتويج الملكة إليزابيث في العام 1953، ومن المرجّح أن يدفع مثل هذا السيناريو الشؤون المالية للعائلة الملكية إلى الخضوع لمزيد من التدقيق أكثر من المعتاد، وفي الواقع حتى قبل الحرب (الأوكرانية)، كانت ثمة شائعات في الصحافة البريطانية تقول إن أمير ويلز آنذاك، تشارلز، على استعداد إلى تقليص فخامة المناسبات الملكية، وبالتحديد تتويجه.
وتكهّنت صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية في 13 أيلول الماضي أن المناسبة ستخالف المراسم الفخمة لتتويج الملكة الراحلة في عام 1953، وهي أول مراسم تُبث على التلفزيون.
ونقلت الصحيفة عن مصادر ملكية أن مراسم تتويج تشارلز الثالث ستكون أقصر و"أقل تكلفة"، والأهم من ذلك أنها ستتميز بتعدد ثقافي على نحو يعكس التنوع داخل المجتمع البريطاني.
وكان تشارلز قد تحدث في وقت سابق عن رغبته في أن يكون لديه نظام ملكي أقل حجماً، والذي من المرجّح أن يُترجم في مجموعة أساسية أصغر من أفراد العائلة الملكية: الملك والملكة القرينة كاميلا، والأمير وليام وزوجته كاثرين، فيما
تقول مؤرخة الشؤون الملكية كيلي سواب إنه "من المحتمل جداً أن نشهد تقليصاً في أمور عديدة، لا سيما التتويج"، مضيفةً أنه "لا بد أن يُنظر إلى العائلة الملكية على أنها عالمة بما يجري في البلاد في هذه الأوقات الصعبة".
وتعتبر الشؤون المالية للعائلة الملكية مسألة معقّدة، وهي غالباً ما تتصدّر القضايا المناهضة للملكية، إذ تأتي الأموال بشكل أساسي من مدفوعات سنوية مموّلة من دافعي الضرائب، تُعرف باسم "المنحة السيادية".
وكانت هذه المنحة قد تحدّدت خلال الفترة من 2021 إلى 2022، بمبلغ 99.8 مليون دولار، أي ما يعادل 1.49 دولاراً للفرد في المملكة المتحدة، بَيد أن ذلك لا يشمل تكاليف الأمن الجوهرية لأفراد العائلة الملكية.

ثاني التحديات تتمثّل في تراجع الحماسة للملكية، وتراجع الدعم العام للنظام الملكي خلال العقود الثلاث الأخيرة، وقد أظهرت نتائج إستطلاعات الرأي، وآخرها استطلاع نُشر في عام 2021، أن 55 في المئة فقط من البريطانيين يعتقدون أنه من "المهم جداً أو "مهم إلى حد كبير" أن يكون هناك نظام ملكي. وكان هذا الدعم قد تأرجح في العقود الماضية بين 60 في المئة و 70 في المئة.
وفي شهر أيار العام الماضي، حلّ تشارلز في المركز الثالث على قائمة أفراد العائلة الملكية المفضّلَين، بعد الملكة وإبنه الأكبر الأمير وليام، بينما أظهرت إستطلاعات رأي أُجريت بعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية دعماً متزايداً للملك الجديد، وثمة دلائل تشير إلى أن تشارلز الثالث أمامه مجموعة من الأعمال يجب عليه إنجازها في ما يتعلق بسمعة الملكية.
فأحد التحديات التي تواجه الملك تشارلز الثالث هو جعل الملكية "جذابة" بالنسبة للأجيال الشابة، ذلك أن 14 في المئة فقط من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 34 عاماً يعتقدون أنه من المهم جداً لبريطانيا أن يكون لها نظام ملكي، بينما كانت النسبة 44 في المئة بين أولئك الذين تزيد أعمارهم على 55 عاماً.
ووفقاً لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة "يو غوف" لصالح مجموعة "جمهورية" المناهضة للملكية في شهر أيار الماضي، فإن 27 في المئة من السكان يؤيدون إلغاء النظام الملكي تماماً، وهذه زيادة ملحوظة عن نسبة 15 في المئة التي كانت قاعدةً سادت معظم هذا القرن، فضلاً عن تسجيل نسبة عالية من عدم الرضا بين الأجيال الشابة،
فالأمور تغيّرت كثيراً منذ عام 1952" (العام الذي أصبحت فيه إليزابيث الثانية ملكة)، خصوصاً لجهة الاحتجاجات المتفرقة المناهضة للملكية التي حدثت في الأيام القليلة الماضية.
التحدي الثالث يتمثّل في الحياد السياسي، فالملك تشارلز الثالث على رأس دولة المملكة المتحدة، لكن صلاحياته رمزية في الغالب وبناءً عليه من المتوقّع أن يظل أفراد العائلة الملكية على الحياد سياسياً.
وقد رأى الكثيرون ضبط النفس الذي تبنّته الملكة الراحلة نتيجة إيمانها بالقول المأثور "لا تتذمّر، لا تبرّر".
وكان تشارلز قد اعتاد في الماضي التحدث علناً بشأن قضايا مختلفة تهمّه، ففي عام 2015 كُشف عن كتابته عشرات الرسائل لوزراء الحكومة يعبّر فيها عن قلقه بشأن قضايا مختلفة من الشؤون المالية إلى القوات المسلحة، فهل يتغيّر أسلوبه وقد أصبح ملكاً ؟
ثمة إجماع في الرأي على أن الملك شارلز أدرك منذ أيامه الأولى أن أسلوبه يجب أن يتغيّر، الجمهور لا يريد ملكاً ناشطاً في حملة لدعم قضية.
وفي 12 أيلول الماضي، وأثناء كلمته لأعضاء البرلمان، أعطى الملك الجديد بالفعل إشارات على نهج معدَّل، بالإضافة إلى الاعتراف بوجود مصالح لم يعد بإمكانه تحقيقها، قائلاً إن "البرلمان هو الأداة الحيّة والمتنفّس للديمقراطية البريطانية".

تحدٍ آخر ليس أقل صعوبةً ينتظر الملك الجديد ألا وهو الحافظ على وحدة الكومنولث، فقد بدأت بعض الدول المنضوية تحت لواء الكومنولث بمناقشة علاقتها بالتاج البريطاني خلال السنوات الماضية،
بعد أن أصبح الملك تشارلز الثالث حالياً بعد وفاة والدته رئيساً للكومنولث الذي هو اتحاد سياسي يضم 56 دولة، معظمها مستعمرات بريطانية سابقة، وهو أيضاً رئيس دولة من 14 دولة إلى جانب المملكة المتحدة، وهي قائمة تشمل أستراليا وكندا وجامايكا ونيوزيلندا.
وعلى الرغم من ذلك بدأت بعض دول الكومنولث في السنوات الماضية، مناقشة علاقتها بالتاج البريطاني. وفي هذا الإطار، اتخذت جزيرة بربادوس قراراً بأن تصبح جمهورية في أواخر عام 2021، ما أدى فعلياً إلى إزاحة الملكة الراحلة كرئيس للدولة وإنهاء قرون من النفوذ البريطاني على الدولة الجزيرة، والتي كانت مركزاً لتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي لأكثر من 200 عام.
كما دفعت جولة الأمير ويليام في منطقة البحر الكاريبي في أوائل عام 2022 إلى احتجاجات مناهضة للاستعمار ودعوات إلى التعويض عن الاسترقاق، وقد أخبرَ رئيس الوزراء الجامايكي أندرو هولنس، الأمير علناً أن البلاد "ستمضي قدماً".
ويعتقد المراقبون أن إعادة صياغة علاقة أكثر حداثةً مع دول الكومنولث ستشكل "تحدياً كبيرا" أمام الملك تشارلز الثالث.

أما لناحية تحدي إدارة الملكية بمفرده، فمن المتوقع أن يتقاسم الأمير وليام الواجبات الملكية
ويُعد تشارلز الثالث، البالغ من العمر 73 عاماً أكبر شخص سناً يعتلي العرش البريطاني على الإطلاق، ومن بين الأسئلة التي تُطرح بشأن الحياة اليومية لعهده الملكي، هي حجم قائمة الواجبات الملكية واسعة النطاق التي من المتوقع أن يقوم بها بنفسه.
وتوجد كثير من التكهّنات بأن إبنه ووريث العرش، الأمير وليام، سيتقاسم عبء الواجبات الملكية، وخصوصاً الجولات الخارجية. وكانت الملكة إليزابيث الثانية نفسها قد توقفت عن السفر إلى الخارج في الثمانينيات من عمرها فتشارلز ملك عجوز لا يمكنه عمل كل شيء.

تحديات هائلة اذاً تنتظر الملك شارلز، وللتذكير فالملك إدوارد السابع اعتلى السلطة في ظروف مماثلة وكانت الملكة إليزابيث الثانية تتمتع بشعبية كبيرة، كما يتضح من تدفق مشاعر الحزن عليها في شتى أرجاء البلاد بعد وفاتها.
ويُعدّ ذلك بحد ذاته تحدياً للملك الجديد، ولكنه ليس تحدياً يصعب التغلب عليه وفق المراقبين والمتخصصين بقضايا التاج البريطاني، إذ هناك أوجه تشابه مثيرة للاهتمام بين اللحظة التي نعيشها الآن ونهاية العصر الفيكتوري.
فقد تولى تاريخياً كل من إدوارد السابع وتشارلز الثالث زمام الأمور في فترات اتّسمت بالتغيّر الاجتماعي في بريطانيا، وكلاهما لا يحظى بشعبية مقارنة بوالدتيهما".
فإدوارد السابع تولّى السلطة مدة تسع سنوات فقط (1901-1910)، ولكن يُذكر إسمه باعتزاز كملك شاركَ في الجهود الدبلوماسية التي أرست لاتفاقيات "الوفاق الودي"، وهي سلسلة من الاتفاقيات البارزة بين المملكة المتحدة وفرنسا وقّعت في عام 1904، وهو قام بعمل جيد للغاية، وليس هناك ما يشير إلى أن تشارلز لن يُذكر كملك مهم أيضاً، فهل يتبع خطى والدته الملكة إليزابيث الثانية كنموذج يحتذي به؟.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: