سعاد النحيلي و ريم زيني
“بهيدا المركز، لقيت حالي وبلشت حياتي تتغيّر”. بهذه الكلمات عبرت حلمية المصري الشابة المكفوفة ذات التسعة عشرة عامًا، والتي تقطن مدينة طرابلس – القبة عن دور مركز ” تفاهم” الذي أخذ على عاتقه تبني قضية المكفوفين وإعادة الأمل لهم وتأمين انخراطهم بين أفراد المجتمع.
يستقبل مركز “تفاهم” مكفوفين من مختلف الأعمار ويحتضنهم في بيئة مشجِعة، إذ يعمل على تقديم المعرفة الأساسية في مجالات متنوعة كاللغات والحساب والرياضة والإدارة وغيرها، في محاولة لمنح المكفوف حقه في التعليم والاطلاع وإيجاد فرص العمل، في مجتمع يعاني من التمييز وقضم الحقوق.
يُقدر عدد المكفوفين في لبنان بحوالي 30,000 شخص مكفوف أو ضعيف البصر، بحسب آخر إحصاءات لوزارة الصحة اللبنانية. وهؤلاء غالباً ما لا يحصلون على الدعم المطلوب من الدولة ولا تؤمَن لهم أي مراكز تطويرية أو تعليمية أو اجتماعية، ما يؤدي إلى تهميشهم وعدم الاستفادة من مهاراتهم وقدراتهم.
في “تفاهم” وجدت حلمية مصدر إلهام وفرصة لتطوير مهاراتها ومعارفها، واستفادت من خدماته لمدة تقارب الخمس سنوات. وبرغم التحديات التي واجهتها، إلا أنها أصرت على متابعة تعليمها واكتساب مهارات ضرورية تسهل عليها حياتها و تؤهلها للانخراط في ميدان العمل المناسب لها.
وبالإضافة إلى المكتسبات العلمية والمادية، يقدّم المركز جلسات دعم نفسي أساسية للمكفوفين لترميم الأضرار والآثار السلبية المتراكمة لديهم والناتجة عن الأفكار السلبية الذاتية أو عن البيئة المحيطة.
لدى زيارتنا للمكفوفين فوجئنا بأن مدير المركز الأستاذ أحمد الشريف كان مكفوفاً كما أن الأساتذة المسؤولين عن تدريس المكفوفين هم أيضا مكفوفون. و عند سؤالنا عن السبب قالوا لنا إنه “لا يوجد شخص كفوء اكثر من المكفوف ليعلم أمثاله”، فهو على علم ودراية بنقاط الضعف لديهم وبالطرق الفعالة التي من شأنها إيصال المعلومات لهم لتتوافق وقدراتهم على التلقي.
وعند التحدث مع المكفوفين، ظهر بوضوح تعلّقهم بالمركز وتقديرهم لهذه المبادرة المخصصة لهم كما وامتنانهم لكل ما يتعلمونه ويكتسبونه لأنه يمكنهم من التماهي مع أمثالهم. وأصروا على عرض قدرتهم على القراءة باللغتين العربية والانكليزية أمامنا كما تحمسوا ليستعملوا الحاسوب ويرونا معرفتهم بكيفية استعماله.
ومع نظرية عالم النفس “ألفريد أدلر” حول عقدة النقص، تتضح أكثر قوة الإرادة لدى المكفوفين. اذ يعتبر هذا الأخير أن الأفراد الذين يشعرون بنقص في مجالات معينة قد يطوِّرون رد فعل إيجابي يدفعهم لتعويض هذا النقص وتحقيق التوازن والنجاح في حياتهم. وهذا ما يفسر حقيقة سبب تفوق أصحاب الهمم في كثير من المجالات على غيرهم من البشر الأسوياء جسدياً والذين ينعمون بكامل الصحة والحواس.
*تنشر هذه المادة ضمن مشروع “تشغيل – صحافة” بدعم من الجمعية اللبنانية لدعم البحث العلمي.