لطالما أثار خرق مبدأ “وحدة المعايير” الجدل والاعتراضات والشكاوى من المعنيين في لبنان والعالم مطالبين بضرورة الالتزام بهذا المبدأ في المقاربات الاقليمية واللبنانية.
هذا في المبدأ، أما في الممارسة السياسية والاعلامية فنلحظ تناقضاً موثّقاً يقع فيه المشتكون أنفسهم الذين ما انفكوا يعبّرون عن معاناتهم من التمادي في “الخرق” المذكور آنفاً.
في 7 كانون الأول 2023 اعلنت كل من منظمتي “هيومن رايتس واتش” و”العفو الدولية” ووكالتي “رويترز” و”فرانس برس” في بيانات منفصلة عن مسؤولية مباشرة للجيش الاسرائيلي عن جريمتي قتل الصحافيين في الجنوب اللبناني بشكل متعمّد.
وقد لاقت البيانات ترحيباً وتأييداً من الدول والأحزاب الممانعة منها -وعلى رأسها حزب الله- وغير الممانعة كونها أدلة دامغة تدين العدو الاسرائيلي كمجرم حرب.
لقد تصدّرت “الادانة” إعلام دول وأحزاب الممانعة كونها مسندة الى “هيئات” يُشهد لها بحيادها ونزاهتها وواقعية تحقيقاتها العلمية واستنتاجاتها وبالتالي أحكامها، مع العلم بأن الكثير من تقارير المنظمتين والوكالتين كان محل انتقاد وهجوم هذه الدول وتلك الأحزاب كما انها اتُهمت بالانحياز لـ”الاستعمار الغربي” والاحتلال الاسرائيلي والأنظمة الخليجية في محطات كثيرة أخرى ادانت وفضحت فيه ممارسات النظامين الإيراني والسوري بحق شعبيهما وارتكابات حزب الله في لبنان والعالم وخروقاته لقوانين الحرب وانتهاكاته لحقوق الانسان وحرياته.
نذكر عيّنات قليلة منها على سبيل المثال
-عن مجزرة سجن تدمر في 27 حزيران 1980 تقول منظمة هيومن رايتس ووتش إن “وحدات كوماندوس من سرايا الدفاع تحت قيادة رفعت الأسد، شقيق الرئيس حافظ الأسد قتلت ما يقدر بنحو 1000 سجين أعزل، غالبيتهم من الإسلاميين، انتقاماً من محاولة اغتيال فاشلة ضد حافظ الأسد مؤكدة أنه لم يتم الإعلان عن أسماء الذين قتلوا إطلاقاً.
ووصفت لجنة حقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة -في حينه- المجزرة بأنها تتعدى حدود جرائم القتل المتعمد المعاقب عليها بموجب قانون العقوبات السوري، حيث يعتبر الآمرون بها وكل منفذيها مسؤولين جنائياً عن هذه المجزرة”.
-اعتبرت منظمة العفو الدولية في تقريرها لعام 2003 ان سمير جعجع اُخضع لمحاكمةٍ جائرة، وصنّفته في خانة السجناء السياسيين.
-في 14 ايلول 2006
ورد في تقرير منظمة العفو الدولية عن حرب تموز: “ان حزب الله استخدم المدنيين اللبنانيين كدروعٍ بشرية”.
القصف الصاروخي الذي قام به حزب الله اسفر عن مقتل 43 مدنياً اسرائيلياً “من يهود وعرب” بينهم سبعة اطفال…وان حزب الله شن هجمات متعددة على مدنيين واهداف مدنية وكذلك وان حزب الله “شن هجمات متعمدة هجمات عشوائية”.
وحسب المنظمة فإن الحزب قد خرق قوانين الحرب متهمة إياه أيضاً بارتكاب “جرائم حرب”.
-عن مجزرتي قريتي البيضا وبانياس في سوريا في شهر ايار 2013
فبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش التي نشرت تقرير بعنوان “لم يبق أحدٌ” في 68 صفحة فإن قرابة 248 شخص من بينهم 23 سيدة و14 طفلاً قتلتهم القوات الحكومية في قريتي البيضاء وبانياس في أيار 2013 أمام أعين أقربائهم بعدما اقتحمت المنازل، وجمعت الرجال في مكان واحد، وأعدمتهم رمياً بالرصاص ومن ثم احرقوا عشرات الجثث”.
في 10 كانون الثاني 2016
هيومن رايتس ووتش: قوات الأسد وحزب الله يعرقلان دخول المساعدات إلى مضايا
-في 1 أيار 2017
منظمة هيومن رايتس ووتس: توصي مجلس الأمن “بمساءلة النظام السوري لاستخدامه الأسلحة الكيماوية.
النظام السوري وروسيا حاولا إخفاء الهجوم الكيمياوي على خان شيخون، استخدم النظام السوري قنابل تحوي غاز الكلور السام مرات عدة”.
-في 17 أيلول 2020 وبعد انفجار المرفأ
ورد في تقرير لوكالة فرانس برس تحت عنوان: “مرفأ بيروت مرتعا للفساد”: “يستخدم حزب الله، القوة السياسية الأبرز في لبنان، المرفأ لتمرير بضائع لصالحه أو لصالح رجال أعمال محسوبين عليه، وفق مصادر عدة، في المرفأ كما في المطار، للحزب خط عسكري تمرّ عبره البضائع والسلع من دون تفتيش أو رقابة وخط المقاومة هذا هو نتيجة اتفاق ضمني مع السلطات على ألا يقترب منه أحد”.
في 15 تشرين الثاني 2023
وكالة رويترز عن 3 مسؤولين: “خامنئي حثّ اسماعيل هنية على إسكات الأصوات الداعية إيران وحزب الله للإنضمام للمعركة”.
يتبيّن مما تقدّم بأن المعيار الموثوق والذي على أساسه أدانت الممانعة عدوها بجرائمه بالامس سبق ان شُكّك به وبمصداقيته وبموضوعيته وحياده في النماذج الموثقة المذكورة اعلاه وفي امثلة اخرى لا يتسع البحث لشمولها كلها لتصح الوحدة الحقيقية للمعايير والمكاييل من كلمة السيد المسيح في الكتاب المقدس انجيل متى “وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ”(متى 7: 2،1)