لم يعد خافياً على اي مراقب لملفيّ حرب اوكرانيا ومفاوضات فيينا حول ايران، الترابط والتأثر المتبادلين لا بل التقاطعات الجيو سياسية بينهما .
وللتذكير نعود الى ما بدر من الجانب الايراني منذ اسابيع، من انتقادات واتهامات ضد الروس، باتخاذ المفاوضات النووية مطية لموازنة مصالحهم في مواجهة الغرب من جهة، وللحيلولة دون إحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران، ومنع طهران من رفد الأسواق العالمية بالطاقة من جهة اخرى .
ملف الحرس الثوري شكل العقدة الكعداء لارتباطه بالبرنامج الصاروخي والدور الإيراني، ما كان استدعى قمتيّ شرم الشيخ والنقب الأخيرتين، لمناقشة موضوع رفع العقوبات عن الحرس الثوري.
الا ان سلوك المندوب الروسي لدى المنظمات الدولية في فيينا ميخائيل أوليانوف ،لا سيّما تغريدته عن تحقيق إيران إنجازات كبيرة جدا في المفاوضات النووية، أدى إلى تشكيل تحالف مناهض لمفاوضات فيينا، بمشاركة التيار المتطرّف في الولايات المتحدة واسرائيل وبعض الدول العربية.
فانطلقت بذلك الهجمة الشرسة من محور التحالف المناهض لمفاوضات فيينا، على ادارة بايدن ومبعوثها إلى إيران روبرت مالي، لعزمهما العمل على حسم المفاوضات النووية.
ونذكر تصريح رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي اشار فيه منذ فترة إن الاتفاق النووي، سيمنح طهران مليارات سوف تستخدمها في أنشطتها الإقليمية.
منذ استئناف مفاوضات فيينا النووية في تشرين الثاني الماضي، و إيران تطالب بضرورة التوصل الى إتفاق جيد وقوي يحفظ مصالحها الوطنية ، ومنها رفع العقوبات الأميركية ولا سيما عن الحرس الثوري الإيراني.
وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، قد اعتبر شطب واشنطن اسم الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، مطلبا رئيسيا لبلاده ، ليصبح الشرط الإيراني عقبة أساسية أمام إحياء الاتفاق النووي.
لكن المبعوث الأميركي إلى إيران روبرت مالي، صرّح في منتدى الدوحة الاخير إن الحرس الثوري سيبقى ضمن العقوبات وهذه مسألة لا تتصل بالاتفاق النووي.
وقد قيل يومها ان الجانب الاميركي كان غاضبا من حضور عناصر من الحرس الثوري، في معرض الدوحة للدفاع البحري مؤخراً، ما جعل التوقعات الاكثر تفاؤلا تتجه نحو التشاؤم بقرب التوصل إلى اتفاق في فيينا.
ولعل السبب الرئيس وراء الإصرار الإيراني على شطب اسم الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، هو إبعاد شبح الحرب عن البلاد، وفق بعض الخبراء ، الذين يرون في تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية تمهيدا لشرعنة هجوم محتمل ضد إيران.
من هنا وبين شد الحبال الروسي الاميركي والروسي – الايراني والايراني – الاميركي، تبرز حقيقة ان اصرار ايران على رفع العقوبات عن الحرس الثوري، مرده إن هذه المؤسسة العسكرية الأمنية تمتلك المال والتكنولوجيا، وتتمتع بشعبية ونفوذ داخل إيران وخارجها، ولا يمكن التفريط بهذه الميزة لدفع الخطر عن البلاد.
علما أن العقوبات الأميركية على الحرس الثوري مؤثرة نسبيا، في الحد من تعاملاته الاقتصادية داخل إيران وخارجها، فبذلك ان إبقاء العقوبات سيعرقل حصول الحرس الثوري على أسلحة نوعية مثل منظومة “إس-400” الروسية أو معدات عسكرية متطورة أخرى من الصين، كما أنها ستعرقل صادرات الحرس الثوري من الطائرات المسيّرة المتطورة وأسلحة أخرى إلى الخارج.
روسيا في هذه المرحلة غير متحمسّة لانجاز اتفاق نووي، من شأنه فتح طهران على الغرب، وما يمكن ان يستتبع ذلك من تزويد الايرانيين الغربيين بالطاقة، بديلا من الطاقة الروسية التي يسعى الاوروبيون حاليا بصعوبة كبيرة للتحرّر منها، الامر الذي يعزّز هذا الكباش غير المعلن وغير المرئي، بين موسكو وطهران والاوروبيين، في وقت تتصاعد المواقف الداخلية في الولايات المتحدة الاميركية، الرافضة لاتفاق نووي مع ايران يريحها ماديا واقليميا .
ورغم ان ادارة بايدن تواجه معارضة داخلية في الكونغرس، لإبرام اي اتفاق لصالح ايران، الا انه ومن الناحية الدستورية لا يملك الكونغرس إمكانية عرقلة التوصل الى إتفاق، يقع ضمن اختصاصات السلطة التنفيذية، تحت قيادة الرئيس جو بايدن، لكن بامكان الكونغرس تبنّي قوانين تعرقل تطبيق بعض بنود الاتفاق العتيد .
اذا الطريق ليست معبّدة بعد لإبرام اتفاق نووي، خاصة في ظل التوتر الروسي الغربي على خلفية الحرب في اوكرانيا، لان لكل من الروس والاوروبيين والاميركيين حساباتهم المتناقضة، رغم الجهود التي يبذلها الاوروبيون، واخرها زيارة المنسق الاوروبي لمحادثات فيينا انريكي مورا الى طهران يوم امس الثلاثاء، فيما وصف بمحاولة اخيرة لاقناع الايرانيين بالتراجع عن شرط رفع الحظر عن الحرس الثوري، او اقله بالقبول بابقائه على فيلق القدس وسط اجواء غير متفائلة، بقبول طهران بالطرح اذ وبقدر اهمية التوصل لإفاق لها، الا ان الاهم يبقى الحرس الثوري وصون استمراريته .
المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي قال من جانبه” إنه ما زال يأمل في إبرام اتفاقٍ بين إيران والقوى العالمية لإحياء الاتفاق النووي” لكنه حذّر من أنّ المحادثات متعثرةٌ وقد تضيع الفرصة.
التقاطعات والتشابكات اذا كبيرة بين مختلف اللاعبين الاقليميين والدوليين، بحيث ان اي انفراج او تأزم في اي من ملفيّ اوكرانيا وفيينا، سيرتد بتأثيراته سلباً او ايجاباً على الاخر .
