تقسيم بيروت... هلوسة وهوس

360_F_221414445_8F0M0EJXxxH7WrBdVPgTg5vJVhw52xV0

كأن مشاكل اللبنانيين لا تكفيهم ليبتكر بعضهم مشكلة غير قائمة وغير مطروحة وهي تقسيم بيروت، فيتجادلون حولها الى حد الاقتتال الكلامي. إذ بمجرد طرح نائب رئيس مجلس الوزراء السابق غسان حاصباني - عشية ترشّحه الى الانتخابات النيابية - مسألة إنتخاب مجالس محلية في بيروت الى جانب المجلس البلدي للعاصمة، فتكون الاولى معنية بالمتابعة الحثيثة لحاجات البيارتة ويكون الثاني معنياً بالمشاريع الاستراتيجية والمشتركة لكافة أحيائها، قامت قيامة هذا البعض على طرح مستدام منذ سنوات ولو همساً في مراحل عدة.

سارع المزايدون الى تكفير من يطرح إنشاء مجالس محلية وإعتبروا أن مجرّد طرح الامر - الذي يندرج في إطار تعزيز اللامركزية الادارية التي نص عليها اتفاق الطائف - هو تقسيم للعاصمة وعودة الى زمن بيروت الشرقية وبيروت الغربية. كما عمدوا الى "شيطنة" الطرح عبر صبغه طائفياً وإعطائه ابعاداً مذهبية مجرّدين إياه من أي خلفيات إنمائية ملحّة.

أولاً، في الدول الديمقراطية من حق أي إمرء أن يطرح ما يشاء وفق إطر سلمية ولا يجوز التكفير أو التخوين.

ثانياً، بيروت عاصمة بإرادة كل اللبنانيين - لا البيارتة فقط - ولم يطرح احد من بينهم تقسيمها أو إستبدالها وأي حديث في هذا الاطار لا يعدو سوى هلوسة وهوس. مع الاشارة الى اننا شاهدنا دولاً عدة عبر العالم إستحدثت مدناً لتكون عاصمة لها ككانبرا في إستراليا أو إستغنت عن عاصمتها لمصلحة عاصمة جديدة كنيجيريا التي نقلت عاصمتها في 1991 من لاغوس إلى أبوجا.

ثالثاً، منذ قيام الجمهورية اللبنانية، لم تكن بيروت موحدة دوماً في الانتخابات النيابية بل كانت إما دائرة واحدة أو دائرتين - كما هو قائم اليوم - أو حتى ثلاث دوائر ولم يؤد ذلك الى تقسيم العاصمة. فلماذا ما هو مسموح نيابياً ممنوع بلدياً، مع العلم ان اعضاء المجالس البلدية هم أكثر إحتكاكاً من النواب مع ناخبيهم وتفاصيل مشاكلهم اليومية؟!

رابعاً، كيف لبعض الطائفيين الذين يرفضون أقله الزواج المدني الاختياري أن يدّعوا أن تقسيم بيروت الى مجالس منتخبة هو أمر طائفي "مَقِيت"؟! في الاساس اياً يكن الواقع الجغرافي للمجالس المحلية أكانت مجلسين أو حتى 12 على عدد المناطق البيروتية، فكيف لها ان تكون من لون طائفي واحد؟ في بيروت الاولى مثلاً، ماذا عن حي بيضون في الاشرفية أو عرب المسلخ في المدور؟ وفي الاساس، اليست معاناتهم الانمائية والخدماتية مع بلدية بيروت هي نفسها معاناة ابناء حي السريان أو كرم الزيتون؟ اليس الأمر يتكرر مع ابناء المزرعة والطريق الجديدة؟ فهل يميز الحرمان والاهمال وانقطاع المياه او الكهرباء بين المسلم والمسيحي؟!

خامساً، لمن يحصر مشكلة العمل البلدي في بيروت بسوء الادارة وغياب الرقابة المالية والادارية الفاعلة أو بمسألة الصلاحيات التنفيذية والتداخل بين المجلس البلدي والمحافظ، أليست اللامركزية الادارية حلّا لذلك معتمدا في دولة عدة ويساهم في كبح كل ما جاء ذكره؟

للأسف إن ردة الفعل الشرسة على طرح مجالس محلية ضمن العاصمة توزّعت بين:

  • من يسعون لتأمين مصالحهم الشخصية أو السياسية تحت ستار التحجج بالدفاع عن مصالح الطائفة.
  • المستفيدون من الهدر والفساد في المجلس البلدي الحالي.
  • السياسيون - ومنهم من يدعون انهم تغييريون - المزايدون اللاهثون وراء اصوات الناخبين وإرضاء للجو العام في دوائرهم.
    *المتزلفون الذين عمدوا في معرض رفضهم لما أسموه المنحى الطائفي الى إعتبار إنشاء مجالس محلية هو "احتلال طائفي" للمدينة أخطر من "الإحتلال الإيراني" أو الإسرائيلي والى تمنين المسيحيين بأن "الحريرية السياسية" هي من كرّس "المناصفة" عرفاً أقوى من الدستور غامزين من قناة عدم الحفاظ على المناصفة في البلدية بعد "عزوف" الإعتدال عن المشاركة في الاستحقاقات الإنتخابية.

حديث بعضهم عن تقسيم بيروت بدل التركيز على الحلول الادارية المقترحة كإستحداث مجالس محلية هو هلوسة، هوس، هواجس شخصية، منافع ذاتية، "شيطنة" للطرح كشيطنة الفدرالية، إستغباء أو إستغلال للبيارتة لأن مقاربة هذا البعض لطرح المجالس المحلية مقاربة مصلحية وطائفية ضيقة بعيدة كل البعد عن المعايير العلمية… إنه حديث ينمّ عن فوقية وذهنية إلغائية تشكل أكبر خطر على روح بيروت التعددية.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: