تناتش الأوراق الإقليمية الدولية بين تايبيه وغزة

464646

مَن يراقب تطورات الأيام الثلاثة الماضية بين ما يحصل في العراق من صراع على الورقة الإيرانية، بين تيار عربي كردي وتيار إيراني كردي، وانفجار كابول منذ يومين والذي استهدف منطقة شيعية في قلب أفغانستان طالبان بعد أيام قليلة على مقتل زعيم القاعدة فيها أيمن الظواهري، مروراً بتداعيات زيارة نانسي بيلوسي لتايوان السياسية والعسكرية، والتصعيد الذي تشهده المنطقة من الجانب الصيني ضد تايوان، وصولاً الى اندلاع المواجهات العسكرية في غزة بين إسرائيل والجهاد الإسلامي وسرايا القدس، من دون أن نغفل استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا في ظل استنزاف عسكري روسي للإمكانيات والطاقات العسكرية، ودخول الحرب مرحلة جديدة في أوكرانيا مع تدفق سلاح أميركي نوعي يقلب المعطيات الميدانية رويداً رويداً لصالح الأوكرانيين، ما لم يبرز تطور معاكس. فمَن يراقب كل هذه الأحداث وتطوراتها الميدانية وتداعياتها على الساحة الدولية والإقليمية، يخرج بأكثر من مَن يراقب تطورات الأيام الثلاثة الماضية بين ما يحصل في العراق من صراع على الورقة الإيرانية، بين تيار عربي كردي وتيار إيراني كردي، وانفجار كابول منذ يومين والذي استهدف منطقة شيعية في قلب أفغانستان طالبان بعد أيام قليلة على مقتل زعيم القاعدة فيها أيمن الظواهري، مروراً بتداعيات زيارة نانسي بيلوسي لتايوان السياسية والعسكرية، والتصعيد الذي تشهده المنطقة من الجانب الصيني ضد تايوان، وصولاً الى اندلاع المواجهات العسكرية في غزة بين إسرائيل والجهاد الإسلامي وسرايا القدس، من دون أن نغفل استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا في ظل استنزاف عسكري روسي للإمكانيات والطاقات العسكرية، ودخول الحرب مرحلة جديدة في أوكرانيا مع تدفق سلاح أميركي نوعي يقلب المعطيات الميدانية رويداً رويداً لصالح الأوكرانيين، ما لم يبرز تطور معاكس. فمَن يراقب كل هذه الأحداث وتطوراتها الميدانية وتداعياتها على الساحة الدولية والإقليمية، يخرج بأكثر من انطباع واستنتاج ليس أقله الآتي :في الصين داخلياً، حملة للرئيس الصيني شي جين بينغ للعودة الى الرئاسة العليا للصين في تشرين الثاني المقبل.أولاً : إن العالم أمام مرحلة جديدة من المواجهات الدولية التي ترخي بظلالها على الأقاليم المشتعلة، سواء في أقصى آسيا أو في الشرق الأوسط أو في أوروبا، تكاد تتحول الى حرب عالمية مجزأة حيث في كل بقعة حسابات استراتيجية تتصارع لتحقيق مكاسب وإعادة خلط الأوراق والتحالفات.

انطباع واستنتاج ليس أقله الآتي :

أولاً : إن العالم أمام مرحلة جديدة من المواجهات الدولية التي ترخي بظلالها على الأقاليم المشتعلة، سواء في أقصى آسيا أو في الشرق الأوسط أو في أوروبا، تكاد تتحول الى حرب عالمية مجزأة حيث في كل بقعة حسابات استراتيجية تتصارع لتحقيق مكاسب وإعادة خلط الأوراق والتحالفات.

في الصين داخلياً، حملة للرئيس الصيني شي جين بينغ للعودة الى الرئاسة العليا للصين في تشرين الثاني المقبل.

في الولايات المتحدة، إنتخابات نصفية للكونغرس الأميركي في تشرين الثاني أيضاً قد تطيح بأغلبية الديمقراطيين الداعمين لسياسات وتوجهات البيت الأبيض والرئيس جو بايدن إن تمكّن الجمهوريون من انتزاع الأغلبية.

في إسرائيل، حكومة تصريف أعمال برئاسة يائير لابيد وحال عدم استقرار سياسي داخلي عشية إنتخابات مبكِرة خامسة.

في إيران، صعوبات جمة إقتصادية ومعيشية داخلية كي لا نقول سياسية بتداعياتها وحائط مسدود خارجياً، سواء في فيينا التي تواجه طهران فيها خياراً بين التنازل عن مطالبها الخارجة عن السياق كما وصفها المصدر الأوروبي الذي يتولى المفاوضة بين طهران وواشنطن بالأمس، حيث عرضت على طهران مسودة متكاملة لاتفاق أعدّها منسق السياسة الخارجية الأوروبية جوزف بوريل وعرضها على الإيرانيين الذين لم يبدوا حماسة لها رغم أنهم باتوا قاب قوسين أو أدنى من قبول العودة عن شرط إزالة الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب، في مقابل إصرار طهران على انتزاع ضمانات من واشنطن بعدم حصول نقض أو إلغاء للإتفاق العتيد لاحقاً في ظل إدارة جمهورية جديدة، الأمر الذي رفضه ولا يزال البيت الأبيض لأن طبيعة النظام الدستوري والسياسي في الولايات المتحدة متغيّرة بحكم الخيارات الديمقراطية في الإنتخابات، وبالتالي لا يمكن ضمان أي شيء بين إدارة ديمقراطية وأخرى جمهورية لكل أجنداتها ونظرتها وتصوراتها في سياساتها الخارجية.

في تركيا، هاجس الإنتخابات الرئاسية لدى الرئيس رجب طيب اردوغان الذي يجعل السياسة التركية الخارجية سياسة إنتهازية وبراغماتية في آن بهدف تحسين أوضاع تركيا الإقتصادية والمالية الداخلية قبيل الإنتخابات، في ظل أزمة خانقة يعيشها الأتراك على صعيد معيشتهم ونقدهم، تلك السياسة التركية التي أغضبت الأوروبيين، بحيث صرّح مصدر مسؤول في الإتحاد الأوروبي لصحيفة الفاينانشال تايمز بالأمس بأن سلوك تركيا تجاه روسيا إنتهازي للغاية.

أوروبا بين هاجسي الحرب على حدودها مع الروس وكيفية إنهائها بأسرع وقت، خصوصاً قبل الوصول الى فصل الخريف ومنع تفاقمها، بعدما حذّر أمين عام الناتو منذ أيام من أن أوروبا تعيش أخطر وضع لها منذ الحرب العالمية الثانية، وفي حال أقدم بوتين على مهاجمة أي دولة تابعة للحلف فسيتدخّل الناتو مباشرة، وهاجس التخلي عن الإعتماد على الطاقة الروسية وتوحيد الصف الأوروبي من الآن وحتى نهاية العام الحالي، وقد شدّد وزير الخارجية الهنغاري بيتر سيارتو على أهمية الغاز الروسي لبلاده في مقابلة بثتها الخميس الماضي شاشة قناة فوكس نيوز، موضحاً أن ليس لبلاده منفذ على البحر، ما يجعلها عاجزة عن الإعتماد الا على الغاز الطبيعي الآتي عبر خطوط الأنابيب، وقد بدأت المانيا أعمال إنشاء محطة الغاز الطبيعي في مدينة فيلهلمسهافن شمال البلاد كما ذكرت صحيفة الشرق القطرية في عددها ليوم الخميس الفائت 4/8/2022.وقد أضيف اليها هاجس التوتر في بحر الصين والمحيط الهادي بين الصين وأميركا حول تايوان وتداعيات ذلك على التزامات الدول الأوروبية من ضمن التحالفات مع الأميركيين والأحلاف الإقليمية في المنطقة.

في روسيا، الرئيس فلاديمير بوتين أمام امتحان صعب بدأ يُثقل كاهله، ألا وهو امتحان حسم الموقف في أوكرانيا في أسرع وقت، وقد بدأ الإنهاك يصيب جيشه في مقابل تحسّن المقاومة الأوكرانية عما كانت عليه في السابق، إذ سُجّل ميدانياً تطورٌ نوعي مكّن الأوكرانيين من تدمير مخازن أسلحة روسية، ونسف جسور استراتيجية، والتمكّن من استعادة بعض المناطق من الجيش الروسي.والرئيس بوتين يحاول اللعب بأوراقه كافة، ليس فقط في أوروبا بل أيضا في الشرق الأوسط ولا سيما مع إيران ودول الخليج وفي طليعتها المملكة العربية السعودية، بهدف ضمان عدم انحياز تلك الدول الى الغرب من جهة، وقد حصل على الضمانات العربية والخليجية بذلك، وضمان إبقاء أسعار النفط وفق برمجة أوبيك بلاس، وأيضا في هذا الشأن ضمن ذلك من موقف المملكة الرافض لطلب الرئيس بايدن زيادة الإنتاج لتخفيض الأسعار، علماً أن سعر البرميل الى انخفاض تلقائي، وقد نقلت وكالة رويترز منذ أيام عن خبراء بأن أسعار النفط هبطت الى أدنى مستوى لها منذ بدء الحرب في أوكرانيا وسط مخاوف من الركود، مع العلم بأن الرئيس بوتين إضطر من أجل تشجيع الصين والهند على استمرار شراء نفط روسيا الذي كان معدّاً لأوروبا والتي قاطعته بفعل العقوبات على موسكو، الى منح تخفيضات في الأسعار أثّرت على قيمة البرميل وتوازن الأسعار للبرميل في السوق العالمية.

اذاً العالم في حال تشتت وصراعات إنطلاقاً من نظرية تشتيت الأعداء تمهيداً لإنقسامهم والإستفراد بهم كل على حدة، ولكن عامل الإستحقاقات الإنتخابية يبرز كمحرك أساسي في حسابات دول محورية عدة في المنطقة والعالم كما أسلفنا : فالمعادلة الثابتة هي تلك التي تفرض نفسها كلّما اقترب موعد الحسم في صناديق الإقتراع، وعنوانها القيام بكل ما يلزم لاستقطاب الأصوات، فكانت مثلاً زيارة نانسي بيلوسي لتايوان رغم التهديدات الصينية عاملاً انتخابياً …وكذلك محاولة إحياء الإتفاق النووي مع ايران، وحرب غزة اليوم من محركاته الإستحقاق الإنتخابي في إسرائيل، وحال عدم اليقين والإستقرار السياسي الداخلي … وتحركات الصين الإنتقامية عسكريا في تايوان محركه إنتخابي سلطوي للرئيس الصيني الحالي … وفي العراق ما يحصل من انتفاضة لا بل ثورة على إيران لم تكن لتحصل لولا إدراك العراقيين للأثقال التي باتت طهران تحمّلهم إياها بحيث خنقت ديمقراطيتهم ومؤسساتهم ودستورهم تماماً كما في لبنان مع حزب الله.

في الموضوع الأوروبي الإيراني، حقيقة أن الإتحاد اليوم وأمام أزمة الطاقة التي يعاني منها، يسعى الأوروبيون الى الإستجابة للعروض الإيرانية بتزويدهم بالغاز الإيراني، لكن لا يستطيعون إبرام إتفاقيات مع طهران اذا لم يكن الحليف الأميركي الأكبر موافقاً على صفقة النووي وموقّعا عليها.

وفي غزة، هناك نوع من تفاهم إقليمي دولي مستثناة منه إيران بالطبع، على ضرورة إضعاف حركة الجهاد الإسلامي وسرايا القدس، وهما المنظمتان الأكثر التصاقاً وتبعية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في الأراضي الفلسطينية، علماً بأن إضعاف الجهاد والسرايا اذا تحقق فهو في الواقع يخدم كل الأفرقاء المعنيين على الساحة الفلسطينية باستثناء إيران التي، وبعد بداية خسارتها العراق سياسياً مع ثورة الصدر، تواجه اليوم التحدي الثاني بخسارة الورقة الفلسطينية عبر أذرعها في غزة …

فهل ما يحصل في غزة تمهيد لما هو أكبر أو هدف بحد ذاته؟

مشهدية تناتش أوراق وإعادة خلط حسابات على مساحة المنطقة والعالمَين الآسيوي والأوروبي من ضمن حلقات المخاض الكبير لإنتاج نظام عالمي جديد لا يبدو يسيراً مع تشبث العملاق الأميركي بأوراقه ومواقعه مجدداً.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: