كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:
تركد قضية بيع المسيحيين أراضيهم في مدن وبلدات الأطراف، ولا سيما في البقاع الشمالي فترة، قبل أن تعاود الظهور إلى الواجهة، مع ما يرافق ذلك من تبدّلات اجتماعية نتيجة هذا البيع، وإنعكاسه على الثبات في الأرض وتراجع الوجود المسيحي تدريجياً، رغم كل الدعوات الكنسية للتشبّث والبقاء ووقف عمليات البيع.
بين وضع اليد على أراضٍ هجرها أصحابها منذ الحرب الأهلية، وعمليات بيع منظمة في مناطق هدفها تبديل التركيبة الديموغرافية والجغرافية، وعشوائية في أخرى سببها الأوضاع الإقتصادية، ودخول السماسرة من ضعاف النفوس على خط إقناع أصحابها ببيعها، تتراجع نسبة تملك المسيحيين في بعض القرى البقاعية كبلدتي دورس وعين بورضاي، اللتين تشكّلان نموذجاً عن ذلك التراجع، فيما كان المسيحيون قديماً يتحدّون غيرهم من أبناء الطوائف بتملّكهم أراضي كثيرة بالمقولة المشهورة: «من يملك قطعة أرض في البلدة فليقف في أرضه، ومن لا يملك فليقف على قارعة الطريق»، حيث كانت نسبة تملّك المسيحيين في دورس أكثر من ثمانين في المئة، ولا تتجاوز اليوم 15 في المئة، أما في عين بورضاي التي تبلغ مساحتها 19 مليون متر مربع، فكانت 99 في المئة من مساحتها تعود للمسيحيين، أما اليوم فما دون 16 في المئة.
لعبت الحرب الأهلية دوراً بارزاً في عمليات بيع الأراضي، وشكّل العامل الأمني الدافع الأكبر للبيع والإنتقال إلى أماكن أكثر أماناً في بيروت وغيرها من المناطق، وهو ما كان مبرّراً في حينه، بعد الحديث عن تقسيم مناطق والتحاق كل فرد بجماعته، ورغم ذلك كان البيع يتم بكميات قليلة ومساحاتٍ صغيرة، لتزيد بعدها عام 1986 حتى التسعينات. ومنذ التسعينات حتى أواخر عام 2015 كان البيع يتم على «القطعة»، لتبدأ بعدها المرحلة الأقوى منذ بدء الأزمة الإقتصادية حتى اليوم وبيع مئات آلاف الأمتار. ولا تقتصر حركة البيع على دورس وعين بورضاي، بل تشمل أيضاً بلدات الطيبة ومجدلون، والذين يشترون هم من يملكون المال ومن مختلف الطوائف، ومعظم من يبيعون لا يقطنون في تلك البلدات أيضاً، ونادراً ما يزورونها في الإنتخابات والإستحقاقات، ولو قدّر لهم وفتح باب نقل النفوس وأماكن السكن لنقلوا سجلّات قيدهم إلى أماكن سكنهم اليوم.
مصادر مسيحية من أبناء تلك البلدات تقول لـ»نداء الوطن»: «إنّ النسبة العالية ممّن باعوا معظمهم ورثوا أراضيهم عن آبائهم وأجدادهم، ففي دورس مثلاً بيع ما لا يقل عن 300 ألف متر في سهل البلدة خلال السنتين الأخيرتين، كذلك في جبل البلدة، أما في عين بورضاي فحدّث ولا حرج، فمن أصل ثلاثة ملايين وثلاثمئة ألف متر باع صاحبها منها حتى الآن مليونين، والبعض باع بسبب الحاجة والظروف الأمنية خلال الحرب، أما اليوم فالبعض يبيع لتعويض خسائر مصالحه في العاصمة وغيرها، والبعض الآخر بسبب السماسرة الذين يدخلون على خط إقناع أصحاب تلك الأراضي، وهم من المسيحيين قبل الطوائف الأخرى، واللافت أنّ البيع يتم بأسعار زهيدة تقل عن الثمن الحقيقي للأرض».
وتؤكد المصادر «أنّ الحرب الأهلية كانت الدافع الأول للبيع، وما شجّع الناس على ذلك في حينه هو قيام مطرانية الروم الكاثوليك ببيع 500 ألف متر في بلدة عين بورضاي بعد تعرّض مطران الكنيسة الياس الزغبي والكاهنين النداف وسلامة للخطف في منتصف الثمانينات، ومن بعدها كان وضع اليد على عدد من الأراضي، وتعرّض أصحابها لضغوط دفعتهم إلى البيع والرحيل، والملكيات بغالبيتها تمّ وضع اليد عليها فباعها أصحابها وهم مكرهون لواضع اليد، أو لغيره ودفعوا له مبلغاً مادياً، وذلك كله نتيجة تراخي الدولة في تحصيل الحقوق، ناهيك عن قيام أحد الورثة ببيع حصته ما يجبر الآخرين على ذلك».
وتابعت المصادر «الأهم في الملف هو عمليات التزوير التي حصلت سابقاً وتحصل اليوم، فبعض المسافرين يملكون مساحات كبيرة وزوّرت مستنداتهم وبيعت حصصهم بأسمائهم وشخصيات غير شخصياتهم، والتزوير في بلدة عين بورضاي حدث بكميات كبيرة وبمشاركة مأجورين من المسيحيين».