جابر: ثمّة "لوبيات" لا تريد التعاون مع صندوق النقد.. مقدّمو خدمات الكهرباء "كذبة"

jab

كتبت سلوى بعلبكي في صحيفة "النهار":

مع توالي تدفق الملفات المالية الملحّة وكثرتها، والحاجة إلى كسب السباق مع الوقت، والمواعيد المالية الدولية الضاغطة، تحوّل وجود الوزير ياسين جابر في مكتبه في وزارة المال، إلى ساعة متأخرة من الليل، مع فريق عمله، إلى عادة وطقس يومي. فالمطلوب يزيد عن الدوام، والحاجة الى إنجاز الحلول للمشكلات المتراكمة، لن يضيع فيها تعب وسهر الليالي.

من مخططات تفعيل عمل الجمارك لتعزيز الجبايات والعائدات، إلى تعيين الهيئات الناظمة، إلى إعادة تفعيل مصالح الوزارة العقارية والضريبية، مروراً بمشاريع الإصلاح المالي والمصرفي، وغيرها من القوانين التي تنتظر وتحتاج إلى رأي وأرقام وزارة المال، يستجيب فريق الوزير للمطالبات المحلية الضاغطة الراغبة في رؤية نهج ومسار مالي مختلف، يعيد ترتيب الهيكل المالي الفوضوي في البلاد.

ولا تقتصر الجهود على الملفات الآنفة الذكر، بل تتعداها إلى الإصرار على تأمين الأرضية التشريعية والقانونية، والمراسيم التنفيذية اللازمة، لحماية لبنان من الانزلاق نحو اللائحة السوداء، والعمل لإخراجه من اللائحة الرمادية التي وضعته فيها مجموعة العمل المالي الدولية.

وإلى تعقيدات العلاقة مع صندوق النقد الدولي، والعراقيل والعصيّ التي توضع أمام الاتفاقات معه، من كثر لا يستسيغون "مشوراته" ونصائحه، تحاول وزارة المال إعادة صياغة وتشكيل علاقة لبنان المالية والنقدية، مع المؤسسات والمنظمات الدولية، بما يخدم مستقبل لبنان وحضوره في محافل المال والأعمال الدولية.

قبل أيام أرسل الوزير جابر كتباً إلى عدد من الوزارات المعنية بالمساهمة في إعداد الإطار المالي لخطط الإصلاح والرؤية الاستراتيجية المتوسطة الأجل (2026-2029)، لتزويد الوزارة برؤيتهم في مهلة أقصاها 8 آب المقبل. ولكن هل يمكن للوزارات أن تنجز رؤيتها الإصلاحية خلال هذه الفترة؟ يرى جابر أن "المهلة هي مهلة حث"، ولكنها كافية، إذ إنها لعرض الأفكار لرؤيتهم الإصلاحية التي من المفترض أنهم كوّنوها خلال فترة توليهم وزاراتهم، ومن شأن هذه المعطيات أن تساعد الوزارة في ما تتولى إعداده حيال الإطار المالي متوسط الأجل (MTFF) عن الفترة الممتدة بين عامي 2026 إلى 2029، بما سيشكل أداة رئيسية لترجمة استراتيجيات الإصلاح وفق مسار مالي مستدام، يضمن الاستخدام الأمثل للموارد وتوجيهها نحو الأولويات الوطنية (MTFF).

من المشاريع الإصلاحية التي يرى فيها جابر باباً لتغيير النمط السائد منذ أعوام، هو السير في تشكيل الهيئات الناظمة التي تُعدّ خطوة أساسيّة تفتح الباب أمام تفعيل القوانين وإعادة هيكلة القطاعات. ففي قطاع الكهرباء تحديداً، بما سيتيح التعاون مع القطاع الخاص لتحسين آليات الجباية والتوزيع، بما يعزز الكفاية ويزيد من الإيرادات. ولا يعتبر أن "تجربة مقدّمي الخدمات في قطاع الكهرباء ناجحة، وأكثر... فقد وصفها بالـ"كذبة كبيرة"، وكان يجب إلغاء التعاقد معهم بعدما اتضح فشلهم في الجباية".

الخروج من اللائحة الرمادية

تتابع وزارة المال الإصلاحات المطلوبة بهدف الخروج من اللائحة الرمادية وتجنب الوصول إلى اللائحة السوداء، الذي يأمل جابر أن لا نصل إليها "إن كانت ثمة جدية بمتابعة الإصلاحات المصرفية عبر قانون الإصلاح المصرفي، وتشديد رقابة المصرف المركزي، وتالياً الحد من الاقتصاد النقدي، الذي دفع بنا إلى اللائحة الرمادية، عبر تعزيز الدفع الإلكتروني"، لافتاً في السياق إلى أن وزارة المال تعمل على تركيب أجهزة دفع إلكتروني (POS) في مراكز الجبايات التابعة لها. وفي إطار تطوير التواصل الرقمي، أشار جابر إلى أن الوزارة أرسلت خلال الأسبوع الماضي 150 ألف مراسلة إلكترونية للمكلفين لتسديد ضرائبهم".

وعلى الرغم من عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي تعيشه البلاد خلال الفترة الأخيرة، بيد أن جابر راضٍ نوعاً ما عن الأداء المالي، إذ اعتبر أنه تحسن أخيراً إلى حدّ ما. ففي شهر حزيران، زادت الإيرادات الجمركية بنسبة 14%، لكن يمكن تحسين الأرقام أكثر. ويأتي في السياق تطوير قطاع الجمارك، إذ تم توقيع اتفاق مع شركة CMA لتركيب أجهزة سكانر حديثة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتستطيع كشف 60 حاوية في الساعة، مقارنة بـ40 حاوية في اليوم للأجهزة القديمة التي تعود لعام 2008، علماً بأن وزارة المال حصلت على منحة بقيمة 2.1 مليون دولار من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي لتحديث الأنظمة المعلوماتية في المرفأ، مشيراً إلى التعاون مع دول عربية مثل الإمارات من خلال موانئ دبي.

"المكننة هي الخطوة الأولى لتحسين الأداء والحد من الفساد"، برأي جابر وثمة خطوات كبيرة ستحدث تغييراً كبيراً في دوائر الدولة على صعيد تحديث الخدمات في السجل التجاري والنافعة والدوائر العقارية"، مشيراً في السياق إلى أن "لبنان حصل على 6 ملايين دولار من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي لمكننة الدوائر العقارية والـTVA".

صندوق النقد؟

مع الإصلاحات التي يقوم بها لبنان، هل يمكن القول إن التوقيع مع صندوق النقد الدولي بات قريباً؟ إن الأولوية حالياً لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، خصوصاً في القطاع الجمركي، وإذا سارت الأمور وفق المخطط له فسنوقع الاتفاق، ولكن بالتأكيد ليس في الفترة القريبة. وإذ اعتبر أن ثمة "لوبيات" لا تريد التعاون مع صندوق النقد، مركزين على المزايدات والمصالح الشخصية، قال "علينا أن نقرّر ما إن كنا نريد الانخراط في مشروع مع الصندوق أم لا؟"، مركزاً أن "الصندوق هو بمثابة بطاقة دخول إلى الأسواق الدولية والدول المانحة، وهو جزء مكمل للمسار السياسي الذي يعتمده لبنان"، داعياً مجلس الوزراء إلى اتخاذ قرار واضح بشأن التعامل مع صندوق النقد الدولي والالتزام بشروطه، إذا تقرّر السير بهذا الاتجاه.

وختاماً، يؤكد جابر أن في إمكان لبنان تحقيق نموّ اقتصادي بنسبة تصل إلى 5% إذا تحقق الاستقرار، نظراً إلى صغر حجمه وقدرته على التعافي السريع، خصوصاً مع وجود كفايات بشرية عالية داخل لبنان وفي الخارج.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: