يتابع عن كثب مراقبون مطلعون على حرتقات السياسة اللبنانية، مجريات الأسبوع الحالي المتشعبة بين تقاذف في الأدوار بهندسة من الثنائي وإخراج من التيار الوطني الحر وتنفيذ من التلميذ النجيب الشاطر كل الهدف منها، كما تشيع الاجواء القريبة من هذه القوى، حشر سمير جعجع وتوجيه صفعة لنفحة المعارضة ونكسة للبطريرك الذي لم يخفِ في الخفاء والعلن مطالبته بالتمديد لقائد الجيش الحالي العماد جوزاف عون.
ومن خلال المتابعة الوثيقة، يتبيّن انه – على عكس كل ما يشاع- فإن سمير جعجع اظهر ثقافةً مؤسساتيةً صرفة واخلاقاً سياسية عالية فقدها المشهد السياسي في المرحلة السابقة، فهو الذي اقدم على طرح قضية التمديد للقائد بالشكل الجدي المطلوب من خلال اقتراح القانون المقدم من قبل الجمهورية القوية والذي شكل بحد ذاته مفاجأة للاعبين السياسيين والقارئين والعالمين.
ولم يتوقف عند هذا الحد، اذ انه وعلى الرغم من كل مواقفه من طريقة ادارة الرئيس بري للجلسات النيابية وخاصة للجلسات الانتخابية الاخيرة، فان ذلك لم يمنعه من تشكيل وفد نيابي رفيع زار بري وطرح معه جدية القانون المقترح وأهميته، ولم يخرج من عنده قبل ان يأخذ منه وعداً بطرحه.
لا يقف انفتاح جعجع التكتيكي عند هذا الحد، بل هو شجع وفداً من المعارضة على زيارة الرئيس ميقاتي ليطرح عليه هذه المسألة ويحثه على تحمل مسؤولياته وبت الأمر في الحكومة، إلا ان الوفد خرج بانطباع سرعان ما تحول إلى حقيقة مرّة، تعّذر على الحكومة تأجيل التسريح نتيجة معارضة الوزير المزروع من قبل جبران باسيل على ذلك.
وقد يقلل البعض من اهمية هذه الخطوات، انما العالِم بثبات سمير جعجع وعزمه على امر يعلم ان المسألة لا تحسم معه بحرتقات سطحية ولا بالشكليات ولا بنكعات موضعية؛ فالتكتل الأكبر في مجلس النواب الذي عارض ويعارض التشريع في ظل غياب رئيس الجمهورية، لم يردعه التهديد بجدول أعمال فضفاض، بل تخطى كل ذلك وكسر قاعدة ملء الفراغات التي بدأت في الامن العام ولم تنتهِ في المصرف المركزي.
ولا يخفي احد ان قضية التمديد للقائد الحالي تحولت إلى شغل شاغل البلاد، حتى إذا ما زار زائر معراب يخرج حاملاً هذه الأولوية واذا ما دار حديث مع احد من تكتل الجمهورية القوية تحولت الأنظار نحو تمديد الولاية الحالية.
حتى بدا جعجع ماشياً غير ابهٍ بالنشاذ الجانبي؛ فلا محاولات جبران باسيل تصوير جعجع على انه متلقٍ لرسائل السفارات نجحت، ولا عنترياته الهوليوودية في اجتماعه مع لودريان نجحت، ولا إطلالاته الأخيرة العديدة لبخ السموم نجحت ايضاً.
بل انقلب السحر على الساحر… فبدل ان ينجح إعلام الممانعة بتصوير القضية على انها مسألة مسيحية – مسيحية، نجح سمير جعجع بكشف المستور وفضح نوايا الجميع وإظهار خططهم المبيتة، فحتى الأمس القريب كان حزب الله لا يزال ممتنعاً عن التصريح وأجواؤه مكتومة في هذا الموضوع، يتلطى خلف جبران باسيل، ويحرم الميقاتي النجيب كرمى لإخفاء بغضه للقائد؛ لكن ذلك كان قبل تدخل سمير جعجع هذا الأسبوع وفضه خطة مرسومة بإحكام يبدأها النجيب وينقضها الوزير ويردها مجلس الشورى، فيرتاح حزب الله مخلياً الساحة أمامه من مشاكس صاحب رأي، ويتنفس الصهر المصيبة الصعداء لإزالته المنافس على الكرسي التي يسعى لها منذ ٣١ تشرين الاول 2016.
ويتوقف المراقبون امام هذا المشهد، ليؤكدوا انه، ولو مهما كانت النتيجة في الجلستين النيابية والوزارية غداً (اليوم) إنما الرابح الأكبر سيخرج منها سمير جعجع… فقد حافظ على مبدأه الرافض للتشريع إلا بالحالات القصوى، ونجح بفرض قضية التمديد اولوية الأولويات، وكشف مخططا محكما بحق المؤسسة العسكرية يأخذنا إلى مشهد مريب، وتمكن من ترسيخ ثقافة العمل السياسي النظيف والمبدئي كاسراً ثقافة الصفقات السوداء والعمليات تحت الطاولة