نظمت جمعية "ريف" بالتعاون مع "سوق الطيب"، برعاية وزير الصناعة جو عيسى الخوري وحضوره، عرض وثائقي "محرقة لبيروت؟" تلته جلسة حوار بعنوان "نفايات: نحرق أو لا نحرق"، عبر منصة سوق الطيب "Speakers' Corner" الجديدة المخصصة للحوار المفتوح. وجمع الحدث إختصاصيين واختصاصيات في الصناعة والقانون والبيئة والصحة لمناقشة التحديات والحلول المستدامة لأزمة النفايات في البلاد.
ودعا عيسى الخوري، إلى "رؤية اقتصادية استراتيجية لإدارة النفايات"، معتبراً أن "النفايات ليست مشكلة بل مورد لإنشاء صناعة جديدة". وأشار إلى أن "70% من نفايات لبنان عضوية، مما يوفر فرصة فريدة لإنتاج السماد والمواد المعاد تدويرها، التي يمكن أن تساهم في تقليص العجز التجاري وتوفير فرص عمل." وأقر عيسى الخوري بأن "وزارته تفتقر إلى الإمكانيات التقنية الكافية لصياغة القوانين". ووجه نداءً مباشراً للمجتمع المدني والخبراء للمساعدة على صياغة وطرح القوانين البيئية الصناعية.
وحذرت الإختصاصية في الإدارة البيئية سمر خليل، من أن "حرق النفايات لا يخفيها بل يحولها إلى ملوثات سامة"، مشيرةً إلى "دراسة توقعت زيادة بنسبة 80% في حالات السرطان في لبنان سنة ٢٠٥٠". وأوضحت أن "كلفة الاستثمار في المحارق تتراوح بين ٢٥٠ مليون ومليار دولار، بينما تصل كلفة التشغيل إلى 150 أو 200 دولار للطن الواحد، وهو ما يجعلها غير مجدية اقتصادياً". وشددت على أن "توليد الطاقة من النفايات هو الأعلى كلفة، حيث يمكن أن تصل كلفته إلى أربعة أضعاف كلفة الطاقة المتجددة، ومن الضروري معرفة أن توليد الطاقة من حرق النفايات هو النوع الأكثر تكلفة على الإطلاق مقارنة بمصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، حيث يمكن أن تكون تكلفته أغلى بأربعة أضعاف".
من جهتها، أشارت عالمة السموم البيئية الدكتورة كارول سخن إلى أن "لبنان يفتقر إلى المختبرات المجهزة والمدعومة مالياً لمراقبة انبعاثات المحارق (مثل الديوكسين والفوران)". وأوضحت أن "تكلفة فحص عينة واحدة تبلغ 700 دولار، مما يجعل المراقبة اليومية أمراً شبه مستحيل".
وأشار المهندس البيئي والصناعي زياد أبي شاكر إلى أن "المحارق ليست نموذجاً مستداماً، مستشهداً بالمثال الدنماركي الذي تم عرضه في الفيلم الذي سبق النقاش، حيث اضطرت السلطات هناك إلى استيراد النفايات لمواصلة عملها بعد نجاح سياسات الفرز وتقليل النفايات في البلاد".
وانتقد مشاركون "الحجة الشائعة التي تقول إن المحارق تعمل بنجاح في أوروبا، واصفين إياها بأنها مضللة".
واعتبر المدير التنفيذي للمفكرة القانونية نزار صاغية، أن "أزمة الثقة بالدولة عميقة مما يشكّل عائق أساسي أمام أي حل". وكشف عن "تناقضات قانونية خطيرة في التشريعات اللبنانية، خاصة في تعريف وتطبيق مبدأ الإحتراز، الذي يفرض على الدولة منع الضرر المحتمل". وأكد أن "هذا المبدأ يجعل من المستحيل المضي قدماً في مشاريع المحارق".
وقدم رئيس بلدية الجديدة/البوشرية أغوست باخوس وجهة نظر السلطات المحلية، معلناً "الرفض القاطع لاستقبال مطامر جديدة أو أن تصبح المنطقة مكباً لنفايات بيروت وكسروان". وأكد أن "البلدية تدرس حالياً حلولاً علمية خاصة بها، مع ميل واضح نحو الحلول المستدامة كالفرز والمعالجة العضوية، واستبعاد خيار المحرقة".
دعا المشاركون إلى خطة عمل فورية تشمل إطلاق حملة فرز وطنية، وإعادة تفعيل معامل الفرز المتوقفة، وتبني النماذج المحلية الناجحة. كما شدد أحد المتحدثين على ضرورة فرض عقوبات مالية على المصانع الملوثة. وأضاف عيسى الخوري أن "وزارة الصناعة أعدت مشاريع مراسيم جديدة، أبرزها قانونا EPR وMVR، التي تفرض على المصانع مسؤولية التعامل مع نفاياتها وانبعاثاتها السامة".
واتفق المشاركون على أن الحل يكمن في تطبيق "اللامركزية الموجهة"، التي تمنح البلديات صلاحيات تنفيذية ضمن استراتيجية وطنية مركزية تضع المعايير العلمية وتمنع الحلول المدمرة مثل المحارق الصغيرة.
وأوضح المهندس البيئي والصناعي زياد أبي شاكر، أن "صفر نفايات" أمر ممكن التحقيق، وأن الحرق يجب أن يقتصر على النفايات الخطرة وليس النفايات المنزلية. وأشار أن أزمة كلفة الطاقة هي السبب الأساسي وراء إغلاق العديد من مصانع التدوير. كما أضاف أن نماذج المشاريع المحلية تعثرت بسبب فشل البلديات في فرض رسوم بسيطة لضمان استدامتها، مما يثبت أن الحل ليس تقنياً فقط بل يتطلب إرادة سياسية ومساهمة مباشرة من المواطنين.