جنبلاط بعد أحداث السويداء: الأرض لي

jj

كتب ألان سركيس في صحيفة "نداء الوطن":

فرضت أحداث السويداء نفسها كحدث أول في المنطقة واحتلت صدارة الأخبار في لبنان، ولا يقتصر الأمر على وجود صلات قربى بين دروز لبنان ودروز السويداء وبين بعض العشائر اللبنانية والسوريّة، بل إن حصول أي فتنة في سوريا ستمتدّ حكمًا إلى لبنان، وسيتأثر البلد سياسيًا بما قدّ يحصل عند الجار الأقرب.

زرع نظام الأسد طوال السنوات الخمسين الماضية بزور فتنة واقتتال في كل من لبنان وسوريا، وما يحصل اليوم هو نتيجة ذاك الزرع لأن الأسد الابن كان يستمدّ جزءًا من شرعيته من مقولة "حماية الأقليات"، واستعملها إلى أقصى حدود، فاستغلّ الأقليات واستثمر فيها، وعند فراره إلى موسكو، ترك طائفته تواجه القدر السيئ.

أتت أحداث السويداء لتفجّر الخوف الأقلوي، مع أن المعركة ليست بين أقليات وأكثرية، لكن التجاوزات التي حصلت تبرّر الخوف الحاصل في سوريا ولا تبرّر في الوقت نفسه الترحّم على نظام قتل أكثر من مليون سوري وهجّر نحو 6 ملايين سوري في أصقاع العالم.

فيما يسلك اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء طريقه نحو التنفيذ، أعادت أحداث السويداء النائب السابق وليد جنبلاط إلى واجهة الأحداث، فالاعتزال الذي أعلن عنه منذ انطلاق الربيع العربي أواخر 2010 ولفح سوريا عام 2011، يبدو في حكم المؤجّل، على الرغم من تسليم مقعده النيابي إلى نجله تيمور ورئاسة الحزب "التقدّمي الإشتراكي" وسقوط نظام الأسد.

منذ فترة طويلة حاول عدد من النافذين الدروز في سوريا ولبنان وحتى إسرائيل الذبذبة على الزعامة الجنبلاطية وإيجاد زعامات بديلة برعاية الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز في اسرائيل الشيخ موفّق الطريف، وساد التحريض في الولايات المتحدة الأميركية على وليد جنبلاط، وسار الشيخ حكمت الهجري عكس التوجهات الجنبلاطية بعد سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول 2024.

دارت الأحداث دورتها، وحصلت اشتباكات السويداء ولعب التحريض المذهبي لعبته وكادت الفتنة الدرزية - السنية أن تنفجر، لكن هذه الاشتباكات وكل ما رافقها من توتير أعادت تثبيت زعامة جنبلاط وقوته في الشارع وعلى الأرض في جبل لبنان والبقاع.

كان جنبلاط، ومنذ استلام الرئيس أحمد الشرع الحكم، أول من قرأ المتغيرات الدولية وسارع إلى زيارة الشرع لكي لا يواجه البحر السنيّ الذي كان مقموعًا في سوريا ودفع ثمنًا باهظًا. لم ينجر جنبلاط وراء رغبات الشارع وطبّق مقولة "القائد هو من يقود شعبه وليس العكس".

بين جنبلاط ودروز لبنان وقسم من دروز سوريا ظهر ارتباط عضوي وثيق، فالشارع يسمع كلام جنبلاط مع أن النوازع كانت ضدّ، رئيس الحزب "الديمقراطي اللبناني" طلال إرسلان بدا بلا تأثير، ولم ينفع كل صراخ رئيس حزب "التوحيد العربي" وئام وهّاب في شدّ الجماهير صوبه رغم محاكاته النوازع وليس العقل ومفاخرته بقوة حذاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

لم تقتصر خطوات جنبلاط على التصاريح بل تواصل والتقى العشائر والمشايخ السنّة، وتحرّك صوب المناطق التي من الممكن حصول احتكاكات فيها محاولًا تطويق كل الارتدادات السلبية.

يعرف جنبلاط أكثر من غيره، أن معالجة الأمور تبدأ بالسياسة وتنتهي في السياسة، ولا بدّ في نهاية المطاف من الاتفاق مع النظام الحاكم في دمشق، فحتى لو استطاع الإسرائيلي ضرب القوات السورية لمرة واحدة أو لمرّات عدّة، فالسويداء محاصرة جغرافيًا ولا يوجد لها منفذ بحري أو حتى تواصل مع المناطق الدرزية داخل إسرائيل، وبالتالي يجهد جنبلاط لصون وقف إطلاق النار ومنع امتداد النار إلى لبنان.

لا يزال الدروز يسمعون صوت جنبلاط، ولا يوجد زعامة تنافسه في الوقت الحالي، فاعتزاله يعني ضياع البوصلة الدرزية وتأزيم الوضع أكثر، وبقاؤه في اللعبة ضمانة للدروز.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: