في المعلومات حول الملف النووي الإيراني وخلافاً لما يشير اليه الأميركيون والاسرائيليون عن فترات أشهر وأعوام(عامان على الأكثر) لإنتاج أول قنبلة نووية، وخلافاً للأجواء التي تُشاع عن تقدّم المفاوضات في فيينا، يلفت المحلل السياسي جورج أبو صعب أن ثمة حقائق يجب التوقف عندها أولها الجولات التفاوضية الستة منذ شهر نيسان الماضي في فيينا التي لم تتصدَ حتى الآن للخلافات الأساسية والمتمحورة حول ملف الصواريخ البالستية وملف تدخلات إيران الإقليمية، إذ ان
ما أُشيع عن تقدم بنسبة ٩٠ بالمئة في المفاوضات لا يعدو كونه الإتفاق على بديهيات غير إشكالية .
الحقيقة الثانية، بحسب أبو صعب، تكمن في المعضلة التي تواجه مفاوضات فيينا بما يتعلق باتفاق ٢٠١٥ إذ ان ما يثير قلق دول المنطقة هو أن هذا الإتفاق سمح لإيران، بعد ١٠ سنوات، بالعودة الى السلاح النووي من خلال العودة الى التخصيب وقد مرّ على هذا الإتفاق ما سبق من وقت، وقد فشلت مراهنات الأميركيين والغربيين في أن تكون مدة السنوات العشر كافية لإحداث تغييرات داخلية في إيران تؤدي الى تغيير نظام التطرف والتشدد وتعطي للشعب كلمة التغيير الديمقراطي الأمر الذي لم يحصل، وبالتالي بات الإتفاق مكشوفاً وغير مضبوط وغير ذي ضمانة لدول المنطقة وإسرائيل .
أما الحقيقة الثالثة فهي أن كل ما جرى الى الآن من مفاوضات هو كسب للوقت من الطرفين: إيران لتسريع تعزيز ترسانة التخصيب، والغرب لإظهار خطأ الرئيس ترامب وإبطاء الإندفاعة الإيرانية نحو التخصيب، علماً أن ما تريده طهران اولاً وأخيراً هو رفع فوري وكامل للعقوبات عنها وليس تدريجيا كما حصل إبان توقيع اتفاق ٢٠١٥، حيث استردت على سنوات حوالي ١٠٥ مليار دولار نقداً، فيما أي رفع للعقوبات لدى الغرب حالياً لن يكون إلا تدريجياً بما فيها فك القيود عن تصدير النفط .
ويشير أبو صعب الى حقيقة أخرى وهي أن الصين وروسيا كسرتا جزئياً الحصار والعقوبات الغربية على إيران ما سمح لطهران بأن تتحاوز الخط الأحمر في مسارها نحو إنتاج السلاح النووي فضلاً عن السوق السوداء العالمية، فالرئيس الأميركي جو بايدن في مأزق سياسي اليوم ناجم عن عجزه عن الإيفاء بوعدٍ إنتخابي بإنجاز اتفاق نووي تجاوزته الوقائع على الأرض، مع الإشارة الى أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وعندما انسحب من إتفاق ٢٠١٥، أرفق انسحابه برزمة من الإجراءات والتدابير العقابية التي كان يريد من خلالها إعادة إيران الى طاولة التفاوض “منكسرة” لكن الديمقراطيين آنذاك عرقلوا في الكونغرس مشاريع قوانينه وها هم اليوم يسددون ثمن سياساتهم الكيدية، ويحاولون و سيحاولون إلصاق تهمة فشلهم بسياسات ترامب .
تبقى الحقيقة الأخيرة وهي أنه، وفق تقرير صدر مؤخراً لوكالة الطاقة الذرية، باتت إيران قادرة على إنتاج سلاح نووي خلال شهرين بإستخدامها أجهزة طرد مركزي متطورة، فحتى شهر أيار الفائت كانت تملك ٣٢٠٠ كيلوغراماً من اليورانيوم المخصّب بدرجة أقل من ٥٠ بالمئة و ٦٢ كيلوغراماً من اليورانيوم المخصّب بدرجة ٢٠ بالمئة ونسبة ٢ و ٤ من أصل ١٠ كيلوغرامات بدرجة ٦٠بالمئة، وقد زادت هذه الكميات بالتأكيد منذ شهر أيار الماضي الى يومنا هذا .
وبختم أبو صعب بالقول: “أمام تعثّر الحلول والعودة غير المفيدة بعد اليوم الى طاولة فيينا لأن لا واشنطن والغرب من ورائها ستزيلان العقوبات كاملة وفوراً، ولا إيران ستتراجع عن مراحل التخصيب المتقدمة والمتطورة، فإن ما تبقى سيكون اندلاع سباق تسلح نووي في المنطقة وسقوط كل الضوابط الديبلوماسية والإستراتيجية مع إمكانية اندلاع حرب وقائية إسرائيلية- عربية ضد إيران مع أنها لن تكون سهلة ولا مفيدة ربما من دون أن ينفي كل هذا إمكانية اللجؤ الى إبرام اتفاقات سياسية بين إيران ودول المنطقة من موقع نووي لا يعيد النظر بترسانة إيران ولكن يحاول بناء شبكات أمان لبعض الدول التي تخشى استهدافها .