جيش وشعب وحزب ودولة

lebanese-army

كتب سامر زريق في صحيفة "نداء الوطن":

سعى "حزب الله" عبر آلته الإعلامية إلى توظيف موقف رئيس الجمهورية غداة حادثة بلدة "بليدا"، بالطلب من الجيش التصدي للتوغلات الإسرائيلية، من أجل إقناع الرأي العام بانبعاث الثلاثية الخشبية "جيش وشعب ومقاومة" من مرقدها، وتصوير الأمر على أنه التحام المؤسسة العسكرية، رمز الشرعية، بـ "دويلته" العابرة للحدود، والمرتبطة بالمشروع التوسعي الإيراني في المنطقة.

وهذا ما حدا برئاسة الجمهورية إلى إصدار بيان توضيحي يعيد وضع خطوة الرئيس جوزاف عون ضمن سياقها الأصلي.

فهي ليست موقفًا معنويًا، وفي الوقت نفسه ليست قبلة حياة لمعادلة دفنت واحتفل بـ"أربعينيتها"، بل هي تعبير عن موقف سياسي الطابع ينسجم مع قرار "حصرية السلاح" المتخذ من قبل الحكومة، وتجسيد جدي وعملي لثلاثية "جيش وشعب ودولة"، الناظمة لعودة الدولة ومؤسساتها إلى لعب دروها الطبيعي، من خلال تظهير دور الجيش الدفاعي بما يترجم وظيفته كمؤسسة سيادية يناط بها وحدها فقط مهمة حماية الوطن وأبنائه.

غير ذلك، فإن رئيس الجمهوية هو أكثر مسؤولي الدولة معرفة بإمكانيات المؤسسة التي قدم إلى بعبدا من سدة قيادتها، ولن يضعها في فوهة بركان يغلي، لا يمكن التنبؤ بتوقيت انفجاره، ولا بمآلات حممه. ما يدحض التأويلات المضللة التي أمطرتها الآلة الإعلامية لـ "الحزب"، هو طلب الجيش من لجنة الإشراف على وقف الأعمال العدائية "الميكانيزم" وضع حد لانتهاكات إسرائيل المتمادية، والذي يشكل خطوة متمّمة لموقف رئيس الجمهورية، ناهيكم عن إدارته الدقيقة لعملية دخول أهالي القرى الحدودية إلى أرزاقهم تحت حمايته، والذي يجسد التحام المؤسسة العسكرية مع الشعب تحت سقف قرار الدولة ضمن الثلاثية المشار إليها.

وهذا ما يمكن تلمسه في العديد من الأمثلة على أرض الواقع، ومنها دخول الزميل محمد بركات إلى منزل عائلته المدمر في بلدته "رب ثلاثين" بحماية الجيش، بعدما كان محرومًا من ذلك طيلة سنوات، مثل الكثير من أقرانه المعارضين لهيمنة "الحزب" على الفضاء العام للطائفة الشيعية وإمعانه في عزلها عن الدولة. هذه الأمثلة تعيد تذكيرنا بنماذج شبيهة حصلت في غير منطقة في خضم أحداث أمنية، لعل أشهرها على الإطلاق صورة العسكري الذي يحمي تلميذة من إطلاق النار خلال أحداث "الطيونة"، والتي جرى تداولها عالميًا على نطاق واسع، وصنفت كإحدى أبرز صور عام 2021.

عمليًا، استطاع الرئيس جوزاف عون من خلال موقفه استدراج "حزب الله" إلى التموضع خلف الدولة وتوجهها الاستراتيجي، وعلى رأسه التفاوض مع إسرائيل أيًا كان شكله وموضوعه، عبر مواقف رسمية وعلنية، بعد مواظبته على ممارسة ضغوط عليها مظللة بترويج اتهامها بالتخاذل ضمن حاضنته الشعبية. وبذا، فهو يعبد الطريق أكثر أمام مبادرته التفاوضية، رغم بطء المسار وما يحوط به من ألغام سياسية واستراتيجية، داخليًا وخارجيًا.

بخطوته هذه، يؤكد رئيس الجمهورية أن الجيش هو القوة الوحيدة الموجودة على الأرض، أقله في جنوب الليطاني، في موازاة استعادة الدولة زمام المبادرة واتخاذ القرار بالتفاوض مع إسرائيل، بينما ينتظر من رعاة هذه العملية، خصوصًا أميركا، ممارسة الضغوط على إسرائيل من أجل القيام بخطوة واحدة على الأقل لتعزيز موقف لبنان التفاوضي أمام شعبه.

ذلك أنه ثمة شريحة واسعة من اللبنانيين لا تزال تشكك بجدوى السياسة والديبلوماسية على وقع تأثرها بدعاية "حزب الله" و"حماس"، وما بينهما، بأن "البندقية" هي المخاطب الوحيد لإسرائيل، حتى ولو كانت متفلتة من عقالها، أو في خدمة مشاريع توسعية على حساب كينونة الدولة. في حين أن تثبيت الاستقرار، وإخراج لبنان من دائرة الصراع العسكري التي أغرق فيها منذ 5 عقود ونصف، يتطلّب من الفاعلين الخارجيين الداعمين لمشروع الدولة ووحدة قرارها السياسي والعسكري، والذين يضغطون من أجل احتواء بندقية "الحزب"، وضع شيء ما على الطاولة لتقوية موقف الجيش، وتسريع خطواته في تطبيق خطة "حصرية السلاح".

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: