وحده رئيس الحزب " التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط سارع الى لعب دور في إطفاء التشنجات، وفتح الابواب المغلقة مع اغلبية الاطراف السياسية، الحلفاء والخصوم للاتفاق على رئيس وسطي مقبول، لانه يعرف حقيقة اللعبة الرئاسية، فتلقفها قبل ان تقضي على ما تبقى، من إمكانية إجراء تشاور بين فريقيّ النزاع الغاضبين و" الحردانين" من بعضهم، فيما البلد يتهاوى بالتزامن مع هزّات لم تعد فقط سياسية، بل بفعل الطبيعة الغاضبة من اللبنانيين.
رئيس "الاشتراكي" الذي وافق على مضض بتأييد رئيس "حركة الاستقلال" النائب ميشال معوض المرشح الى الرئاسة، والهدف من دعم المعارضة له هو النكايات لإبن منطقته رئيس تيار " المردة "سليمان فرنجية، على الرغم من انها تعرف سلفاً صعوبة وصول معوض الى بعبدا، لانّ الفريق الممانع يضعه ضمن خانة مرشح التحدّي، الى ان خرج جنبلاط واطلق موقفه في العلن، طارحاً الاسماء الرئاسية الثلاثة التي باتت معروفة، في حين انها ُتختصر بإسم واحد هو قائد الجيش العماد جوزف عون، اما الباقي فيبدو للتمويه ليس اكثر. فكانت النتيجة خروج جنبلاط من دائرة لقاءاته مع عدم موافقة البعض على تعديل الدستور، وهذا يعني عدم دعم العماد جوزف عون، وهو الموقف الذي سمعه من الثنائي الشيعي، وبالتأكيد من رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، الذي اكد مراراً رفضه لوصول عون، حتى من دون أي حجة، ومؤتمره الصحافي الذي عُقد قبل اسبوعين، مع ما حمله من هجوم سياسي طال قائد الجيش واغلبية الافرقاء، خير دليل على ذلك، فيما على خط المعارضين الحمائم فالجواب الافضل :" لا مانع لدينا اذا تم الاتفاق عليه من قبل الاكثرية"، أي العبارة الدبلوماسية التي أوجدت مخرجاً يحّد من الخلافات.
الى ذلك يبدو انّ جنبلاط أدخل قائد الجيش الى قلب المعركة الرئاسية، مستعيناً بصفاته ونجاحه في المؤسسة العسكرية، وهو الشخصية غير المحسوبة على احد، لذا ستكون وسطية في الاطار السياسي، معتبراً انه اختار الورقة الرابحة داخلياً وخارجياً، بعدما تلقى رسائل بالجملة عن حسن إختيار الشخص المناسب في المكان المناسب، لكن العقبات بقيت امامه، لانّ بعض الاطراف لم تكن نظرتهم السياسية مطابقة لنظرة رئيس " الاشتراكي"، اذ إستمروا في دعمهم لفرنجية لا بل تمسّكوا به، على خلاف ما إعتقد جنبلاط، بأنه قادر على سحب مرشحيّ التحدي للفريقين أي فرنجية ومعوض، لكنه عاد خائباً، وهو بذلك قدّم خدمة من حيث لا يدري اذ جمع فريق الممانعة، وساهم في "خربطة " قوى المعارضة، وما قالته النائبة ستريدا جعجع قبل ايام من منبر بكركي يوضح ذلك، اذ إعتبرت انه كان من الافضل لو تم التنسيق معنا، لكانت مبادرة جنبلاط نجحت، فيما الاخير سبق وأكد انه لن يؤيد أي خيار بعيداً عن موقف الافرقاء المسيحيين المعارضين.
في السياق يبدو رئيس " الاشتراكي" مغرّداً خارج السرب المعارض، اذ يغني على ليلاه رئاسياً من دون إستشارة احد، خصوصاً بعدما تنصّل من دعم معوض بكل هدوء، تحت حجة انه لم يحصل على الاصوات المطلوبة، لذا لنبحث عن مرشح آخر يستطيع نيل المزيد، و" يا دار ما دخلك شر"، أي نبقى اصدقاء مع الجميع تحت عنوان "مصلحة البلد تقتضي"، الامر الذي جعله يضرب عصفورين بحجر واحد، فهو بدا المحرّك الاول للاستحقاق الرئاسي، فيما بدا الافرقاء المسيحيون في قمة خلافاتهم، حتى ضمن جدران بكركي التي لم تفلح في جمعهم، بسبب خلافاتهم التي لا تتوقف لا بل الى إزدياد، اما الحجر الثاني فهو إستعادة جنبلاط للعلاقة التي كانت قائمة في السابق مع حزب الله، خصوصاً انه إتخذ قراراً بعدم مخاصمة احد، بل الانفتاح على الجميع، فإسترّد الحوار والتلاقي مع حارة حريك، كذلك الامر مع الرئيس نبيه بري الذي لا يدخل" الزعل" بينهما، بل المبادرات الثنائية، إضافة الى إعادة فتح ثغرة في باب "التيار الوطني الحر" المقفل معه، واليوم يبدو مفتوحاً ولا مجال للتناحر، لانّ جنبلاط كان وما زال وسيبقى بيضة القبان في كل الاستحقاقات.
