تحوّلت المواجهات بين “حزب الله” وإسرائيل إلى “حرب استنزاف” مع تصاعد المواجهات بشكل غير مسبوق وبوتيرة مرتفعة، مقارنة مع الأشهر الأولى للمواجهات من دون أن تصل إلى الحرب الشاملة.
وشهدت جبهة الجنوب تصعيداً كبيراً عبر قصف قام به “حزب الله” وإسرائيل، طال مناطق للمرة الأولى، وهو ما يصفه الخبير العسكري، العميد المتقاعد خليل الحلو، بـ”حرب استنزاف” تسعى خلاله إسرائيل لإنشاء “منطقة عازلة”، في ظل الواقع الذي يفرض على الطرفين عدم الدخول في حرب واسعة ووصول مفاوضات التهدئة إلى حائط مسدود.
ويقول الحلو لـ”الشرق الأوسط”: في ظل الضغوط الأميركية لمنع إسرائيل من عمل عسكري واسع في لبنان وسعي إيران و”حزب الله” بعدم الوصول إلى عملية كبيرة، في موازاة فشل مفاوضات التهدئة، سيبقى الوضع على ما هو عليه مع تصعيد وتدمير ممنهج تقوم به إسرائيل في جنوب لبنان في عمق بين 5 و7 كلم، بحيث تسعى لإنشاء المنطقة العازلة التي تفشل في إنشائها عبر المفاوضات، وذلك عبر استهداف المنازل عند الحدود الجنوبية، إضافة إلى مداخل أنفاق «حزب الله» ومراكز القيادة والذخيرة والمراكز القتالية.
ويضيف: “في حين لا يزال (حزب الله)، رغم تصعيد وتيرة عملياته، يختار أهدافه بدقة، ولا يستهدف مثلاً وسط إسرائيل بصواريخ بعيدة المدى، ولا منصات النفط والغاز في البحر، لعدم إعطاء تل أبيب ذريعة لتجاوز الضوء الأخضر، يبدو واضحاً أن إسرائيل ليس لها حدود للعمليات الجوية وهي تحوّل لبنان إلى مسرح عمليات يشبه مسرح العمليات السوري، حيث لا تزال تقصف أهدافاً سورية منذ 12 عاماً من دون اجتياح”، واصفاً ما يحصل بـ”الحروب الصغيرة بين حربين”… “وهي حروب ليس لها حدود ولا خسائر ولا تكلفة دبلوماسية، أو ثمن إعلامي على اعتبار أنها تستهدف المراكز والأهداف العسكرية بشكل أساسي”.
وأخذت المواجهات بعداً جديداً، بعد العمليات العسكرية التي نفذها “حزب الله”، الأربعاء، وطالت 3 قواعد عسكرية إسرائيلية إحداها قرب طبريا؛ “ردّاً” على “اغتيالات” نفّذتها إسرائيل كان آخرها القائد الميداني حسين مكي، حيث ردّت الأخيرة بقصف هو الأعنف منذ بدء الحرب بين الطرفين، مستهدفة نقاطاً عدة في شرق لبنان، بينها معسكر تابع لـ”حزب الله”، ومناطق تستهدف للمرة الأولى، مثل “بريتال” و”النبي شيت”. مع العلم أن الهجوم على غرب طبريا، هو الأعمق داخل إسرائيل منذ بدء الحرب، وقال الحزب إنه نفذه “بعدد من الطائرات المسيّرة الانقضاضية” واستهدف “جزءاً من منظومة المراقبة والكشف الشاملة لسلاح الجو”.
وصباحاً، عاد “حزب الله” ورد على الرد، بهجوم بأكثر من 60 صاروخاً في الجولان السوري، وقال في بيان له إنه “ردّاً على اعتداءات العدو الإسرائيلي ليل أمس على منطقة البقاع، شنّ مجاهدو المقاومة (…) هجوماً صاروخياً بأكثر من ستين صاروخ كاتيوشا” على مواقع عسكرية إسرائيلية في الجولان.
واستمرت المواجهات بين الطرفين الخميس، حيث نفّذ الطيران الإسرائيلي غارة استهدفت سيارة على طريق الرمادية – قانا، ما أدى إلى “سقوط شهيدين”، وفق ما أفادت الوكالة الوطنية للإعلام”، مشيرة كذلك إلى جرح راعي ماشية نتيجة القصف الإسرائيلي على سهل مرجعيون.
وبعدما كانت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” قالت إن “صافرات الإنذار دوت الخميس في بلدة المطلة قرب الحدود اللبناني”، أعلن “حزب الله” أنه هاجم، الخميس، موقع المطلة وحاميته وآلياته بمسيّرة هجوميّة مسلّحة بصاروخي “S5”، مشيراً إلى أنها أطلقت الصاروخين، ثم أكملت انقضاضها على الموقع المستهدف، علماً بأنها المرة الأولى التي يستخدم فيها الحزب هذا النوع من الطائرات التي تحمل الصواريخ التقليدية غير الموجهة.
وجاء هجوم “حزب الله” على الجولان بصواريخ الكاتيوشا، بعد ساعات على سلسلة غارات جوية استهدفت نقاطاً عدة في شرق لبنان، بينها معسكر تابع لـ”حزب الله”، وفق ما أفاد مصدر مقرّب من الحزب لـ”وكالة الصحافة الفرنسية”.
طائرة مقاتلة إسرائيلية تطلق قنابل مضيئة فوق جنوب لبنان (أ.ف.ب)
وكان مصدر مقرّب من “حزب الله” أفاد لـ”وكالة الصحافة الفرنسية” أنّ “غارات إسرائيلية استهدفت نقاطاً عدة في محيط بلدة بريتال، طالت إحداها معسكراً للحزب”، مضيفاً أنّ وتيرة هذه الغارات “هي الأعنف” منذ بدء التصعيد بين “حزب الله” وإسرائيل.
في المقابل، أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي، الخميس، بأن “حزب الله” اللبناني قصف الليلة الماضية موقعاً تابعاً لسلاح الجو وصفته بأنه “حساس للغاية” في شمال إسرائيل، مشيرة إلى أن طائرة مسيرة قصفت موقع “تل الشمايم” التابع لسلاح الجو بالقرب من مفرق جولاني في الجليل الأسفل.
وكانت هيئة البث الإسرائيلية نقلت في وقت سابق عن الجيش تأكيده بأن “حزب الله” أطلق طائرة مسيرة انفجرت بالقرب من موقع أمني حساس، على بعد عشرات الكيلومترات من الحدود مع لبنان.
واعترف الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، الخميس، بأن طائرة مسيرة أطلقها “حزب الله”، أمس، استهدفت قاعدة عسكرية وأصابت منطاد المراقبة الذي تطلق عليه تسمية “طال شمايم” (طل السماء) قرب مفترق غولاني (مسكنة) في شمال إسرائيل. وقد حذر مسؤولون إسرائيليون من خطورة هذه العملية واعتبروها “تجاوزاً لخطوط حمراء أخرى”. وطالب جنرالات سابقون من أنصار اليمين بالرد على ذلك بعملية حربية ضخمة تصل إلى حد تدمير الضاحية الجنوبية في بيروت وتدمير البنى التحتية في الجنوب، وقطع الماء والكهرباء عنه.
ووجهت “القناة 14″، التي تعتبر ناطقة بلسان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أصابع الاتهام إلى الإدارة الأميركية أيضاً بالمسؤولية عن هذه الضربة؛ كونها «تقيد أيدي إسرائيل وتمنعها من توجيه ضربة لـ(حزب الله) تؤدي إلى وقف حرب الاستنزاف التي يديرها ضد إسرائيل».
وقال يعقوب بردوغو، الذي يعتبر صديقاً مقرباً لعائلة نتنياهو، إن “إدارة بايدن تفرض إملاءات غير معقولة على إسرائيل أيضاً في الموضوع اللبناني ولا تتأثر من رؤية الخراب والدمار في بلدات الشمال”.
وقال الجنرال رون طال إن «هناك ضرورة ملحة لتصعيد الضربات ضد (حزب الله). فهو يفرض على الشمال الإسرائيلي الرعب والفزع ويجعل إسرائيل تبدو ضعيفة ومهانة. وعلينا أن نرد بقوة على قصف (حزب الله)، ليس بالشكل البائس الذي يفعله الجيش اليوم، بل بتفعيل قدرات إسرائيل الجبارة وتوسيع القصف ليشمل بعلبك والضاحية الجنوبية في بيروت ورموزاً للدولة اللبنانية التي لا تفعل شيئاً لكبح (حزب الله)». واقترح تدمير البنى التحتية، وخصوصاً الماء والكهرباء، عن الجنوب اللبناني.
المعروف أن منطاد التجسس المتطور “سكاي ديو”، دخل إلى الخدمة في إسرائيل في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، بعد تحضير دام سنتين. وهو يستخدم لأغراض عسكرية بحتة، وفي مهام تجسسية ودفاعية، للمراقبة وجمع المعلومات، ويحلق على ارتفاعات شاهقة.