حرب عالمية بالتجزئة

_123511419_2580107d-9c32-42f4-9e51-624f6960c427

لم تعد الحرب في أوكرانيا محصورة بالداخل الأوكراني، إذ وفي موازاة الحرب العسكرية، بدأت مناطق العالم تشهد تصارعاً غربياً روسياً على أكثر من صعيد، فتداعيات الحرب في أوكرانيا ألهبت خطوط التوتر في أكثر من منطقة وعلى أكثر من صعيد عالمي.

من الأمثلة على هذه التداعيات، الظروف التي أحاطت بزيارة وزير الخارجية الروسي الى جمهورية مصر منذ أيام والتي تخللتها بعض الإشارات التي تعكس حدّة التجاذبات الدولية على الساحات خارج أوكرانيا.فالزيارة جاءت منسّقَة مع الأميركيين قبل حدوثها، إذ وفي خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الى باريس إلتقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في اجتماع مغلق تبيّن أنه تم في خلاله التواصل مع الأميركيين الذين علموا بزيارة لافروف الى القاهرة وكان الاتفاق على التنسيق في موضوع الزيارة.الجدير ذكره أن علاقة الرئيس السيسي بالروس، وتحديداً بالرئيس فلاديمير بوتين أكثر من جيدة، والسيسي يشعر بالجميل لوقوف موسكو الى جانبه وإمداده بالسلاح الروسي عندما اصطفت واشنطن الى جانب خصومه إثر أحداث ٣٠ حزيران (يونيو) الشهيرة وامتنعت عن تسليح نظامه الجديد، ما جعل الرئيس السيسي يأخذ موقف الحياد في الصراع الأوكراني.لكن الذي حصل أثناء زيارة لافروف لمصر هو أن الإعلام غطى جزءاً من تلك الزيارة فيما تم التعتيم الكامل على الجزء الآخر ولا سيما الجزء الذي كان من المفترض أن يغطي تحركات واجتماعات لافروف مع وزراء الخارجية العرب في الجامعة العربيةبحيث تمت تغطية نصف الزيارة إعلامياً، ما دفع بالمتحدثة بإسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زخاروفا الى نشر فيديو يُظهر استقبال الوزير لافروف في جامعة الدول العربية ولقاءه وزراء الخارجية العرب.فالواقعة هذه بإشاراتها، إن دلّت على شيء فعلى وقوف مصر والرئيس السيسي في منتصف الطريق بين روسيا والغرب وتحديداً الأميركيين.

على صعيد آخر، لم يعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد تصدير الغاز الى أوروبا، وقد تدنّت نسبة تزويد دول أوروبية من خط أنابيب نورد ستريم ١ بنسبة ٢٠ في المئة، فيما حوّل الرئيس بوتين الغاز الى الصين عبر أنبوب بإسم سيبيريا غاز باور يمتدّ من سيبيريا الى شنغهاي بما يعوض لروسيا مداخيل أوروبا من بيع الغاز.وفي هذا السياق، سعت إيران مع الصين لتزويدها بالغاز الإيراني لضرب الصادرات الغازية الروسية بتخفيض سعر الغاز للصين بعدما تأثرت صادرات إيران سلبياً بمبيعات الغاز الروسي للصين رغم العلاقات التحالفية بين روسيا وايران. فالرئيس بوتين الذي يخوض حربه الشاملة على الولايات المتحدة وأوروبا والناتو لم يعد يريد إتفاقاً نووياً إيرانياً، ولم يعد يريد نفطاً إيرانياً للأسواق العالمية، ولا أي تغيير أو تقدّم سياسيَين في سوريا بحيث حوّل كل أوراقه في هذه الملفات الى أوراق ضغط، لا بل الى سلاح حربي كما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس أثناء زيارته جمهورية البنين حيث قال إن روسيا حوّلت الطاقة والغذاء والإعلام الى أسلحة حرب لمواجهة خصومه الغربيين.

وفي خضم حربه على الغرب، قرّر الرئيس بوتين التوسّع أفريقياً فإذا به يُرسل وزير خارجيته سيرجي لافروف الى أفريقيا في جولة وصلت به الى أثيوبيا بعد مصر حيث الدعم الروسي لحكومة أثيوبيا، التي في نفس الوقت تصارع المصريين والسودانيين على مياه النيل وتقاسمه وتتحكم بسد النهضة بما يحرم مصر والسودان من المياه.فروسيا تحاول في أفريقيا إستعادة علاقاتها التاريخية مع دول القرن بعدما تراجعت إثر سقوط الإتحاد السوفياتي، بما يؤشر الى انتقال التجاذبات والصراعات الدولية الى الساحة الافريقية.والجدير ملاحظته أن زيارة لافروف الى مصر وأفريقيا أتت غداة استئناف شحن القمح الأوكراني بدءاً من أفريقيا التي كانت تتهددها كارثة غذائية لو استمر إقفال موانيء أوكرانيا على البحر الاسود.

ودائما في سياق توسّع الحرب وتداعياتها، قرّرت وزارة العدل الروسية إقفال مركز الوكالة اليهودية في موسكو وهي تعمل منذ عام ١٩٩١، هذه الوكالة التي نشطت منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في استقبال لآجئين أوكرانيين يهود وإرسالهم الى إسرائيل كذريعة لتوسيع تل أبيب لمستوطناتها.لكن توقيف الوكالة اليهودية الذي أثار غضب إسرائيل لم يصل بالعلاقة بين البلدين الى السلبية الكاملة لأن إسرائيل لا تزال في حساباتها تحتاج الى روسيا في الموضوع السوري، علماً بأن إسرائيل احتفظت منذ ساعة انفجار الوضع في أوكرانيا بجانب الحياد، مكتفيةً بإرسال ما تقول تل أبيب بالمساعدات الإنسانية الى الأوكرانيين، إلا أن الروس، في تبريرهم إقفال الوكالة، اعتبروا أنها تطلع على بيانات الروس لإقناعهم بالذهاب الى إسرائيل، ما يشكل خطراً على الأمن القومي الروسي، تاركين أمر الفصل بالقرار سلباً أم إيجاباً للقضاء الروسي.رد إسرائيل لم يتأخر بعد قرار روسيا إقفال الوكالة حيث أعلن رئيس وزراء تصريف الأعمال يائير ليبيد عن زيادة المساعدات الإنسانية لأوكرانيا كإشارة الى إمكانية أن ترسل إسرائيل أكثر من مساعدات إنسانية.في سياق متصل، كشف وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس منذ يومين عن أن صاروخ اس ٣٠٠ قد أُطلق على المقاتلات الإسرائيلية بعد تنفيذها ضربات في سوريا في شهر أيار الماضي، معتبراً أن إطلاق الصاروخ هو بمثابة إنذار روسي لها.فالتوتر الروسي الإسرائيلي وجه آخر للتوتر الروسي- الأميركي، والروسي- الغربي على اعتبار أن الرئيس بوتين ينظر لإسرائيل كحليف للأميركيين والغرب والناتو، وحليف يهودي للأوكرانيين اليهود وداعمة للرئيس الأوكراني اليهودي فلاديمير زيلنسكي، ما يجعل موسكو “متحسسة” جداً من إسرائيل وتحاول إيصال رسائل امتعاضها. أما في العراق فقد ارتسمت معالم ثابتة لتحالفٍ رباعي روسي- إيراني- سوري مع حزب الله وميليشيات إيران في المنطقة بحيث أصبح هذا المحور الجهة التي تقود المعركة في مواجهة الغرب والأميركيين وحلفائهم، في وقت أعلن فيه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني منذ أيام أن إيران تمثّل الخطر المباشر على الأمن القومي الأردني .بذور حرب عالمية تزرع في مناطق عديدة من العالم ولا سيما في الشرق الأوسط وأفريقيا في وقت يمكن للرئيس بوتين، ونكاية بالاميركيين والغرب، أن يُقدم على أية خطوة عالية السقف في أي وقت كمثل لجوئه الى قطع النفط العراقي ربما عن العالم، كما منع النفط الإيراني من الوصول الى الاسواق، أو التدخّل في الملف التركي- العراقي المتوتر حيث يصطف الى جانب إيران ضد تركيا، علماً بأن العلاقات بين إقليم كردستان وتركيا إصتلحت، فيما تميل الى التوتر بين إيران والإقليم، وقد جاء هجوم زاخو تعبيراً عن هذا التوتر.وفي هذا الإطار، يجدر التذكير بأن إيران، وغداة انسحاب الأميركيين، شغّلت تنظيم العمال الكردستاني البي كي كي ضد تركيا لتبقى الأخيرة بعيدة عن العراق وسوريا، وفي الوقت الذي تُمسك فيه طهران بخيوط البلدين، فهل يدعم بوتين معركة مقبلة على إقليم كردستان؟مما لا شك فيه أن حزب العمال الكردستاني بات ورقة إقليمية إيرانية، وورقة دولية روسية الى جانب داعش والقاعدة والميليشيات الإيرانية.

حرب عالمية نعيش كل يوم رحاها وقد تأتينا بتطورات قد لا تُحمد عقباها إن لم يقرر المتصارعون الكبار الجلوس على الطاولة ورسم يالطا عالمية ثانية تؤسس لنظام عالمي جديد يقي دول العالم الثالث المزيد من الويلات والمآسي .

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: