يوماً بعد يوم، تٌفكّك حرب غزة ألغازاً وأحجيات لطالما كانت موضع تساؤل وتحليل من قبل الكثير من المراقبين والمهتمّين بالشأن الفلسطيني، وبخاصة بواقع وظاهرة حكم “حماس” لقطاع غزة ومشروع حل الدولتين.
” حماس” في العام ٢٠١٧ لا تشبه نفسها في العام ٢٠٢٣
دعونا في البداية نؤكد على أمر مهم جداً ردّاً على بعض مَن يعتبر أن حركة “حماس” أعلنت منذ سنوات، وتحديداً في العام ٢٠١٧، قبولها بحل الدولتين.
الواقع والحقيقة أن “حماس” عام ٢٠١٧ ليست “حماس” ٢٠٢٣، وما أعلنته في العام ٢٠١٧ لم يعد ينطبق على العام ٢٠٢٣، والدليل الواضح في ذلك أنها إن أرادت السير في حل الدولتين لَما كانت أقدمت في ٧ تشرين الماضي على ما أقدمت عليه، وقد أكد القيادي في الحركة خالد مشعل بصراحة أن الغاية هي إسقاط محاولات ومساعي التطبيع العربي مع إسرائيل، وهو بالطبع لا يقصد الإمارات ولا السودان ولا المغرب ولا البحرين بل … المملكة العربية السعودية.
حقيقة نوايا “حماس” تجاه الدول العربية
بهذا الموقف، كشفت ” حماس” عن حقيقة نواياها حيال الدول العربية، ولا سيما الخليجية وتحديداً السعودية التي كانت تتقدّم في مفاوضاتها مع الأميركيين للتوصّل الى رزمة من الاتفاقات أساسها إقرار إسرائيل بحل الدولتين، فلو أرادت “حماس” هذا الحل فعلاً لكانت دعمت الرياض في مساعيها ومفاوضاتها، لا أن تسعى لأفشالها عبر إشعال حرب ضارية لا يزال القطاع يُدمَّر تحت وطأتها وفرص إنشاء دولة فلسطينية فعلية تتقلّص.
من هنا، فإن مجريات الحرب الدائرة في غزة وعلى غزة أظهرت حقائق وكشفت ألغازاً لا بدّ من التوق؟ف عندها :
- أولاً : مجريات الحرب وظروفها وكلفتها الإنسانية العالية وتداعياتها الخطيرة جداً لا يمكن أن تدفع أي مسؤول عربي أو خليجي سوى باتجاه واحد ألا وهو المطالبة بوقف إطلاق النار، فالإنسان الفلسطيني هو الأولوية اليوم .
- ثانياً : كل الشعوب العربية ومعها الحكومات العربية من المحيط الى الخليج تقف مع القضية الفلسطينية المحقّة والمشروعة، ومع حركات التحرّر الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية منذ أيام الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، حين قرّر نقل المقاومة من دول الشتات الى الداخل الفلسطيني بعد نكسات ١٩٧٠ في الأردن و١٩٨٢ في لبنان، ومن ثم تونس حيث كان القرار الفلسطيني الصائب يومها بنقل المعركة والمقاومة الحقيقية الى الداخل الفلسطيني المحتل، فكانت سلسلة الانتفاضات بالحجارة وكان ما كان من تعاظم للمقاومة في الضفة وقطاع غزة.
إيران و” كوفية” القضية الفلسطينية
هذه الشعوب وحكوماتها العربية والخليجية تقف الى جانب الحق الفلسطيني والى جانب حق الشعب الفلسطيني بمقاومة الاحتلال وتحقيق الدولة الفلسطينية ولو المنقوصة السيادة، لكن دون أن يعني ذلك وقوفها الى جانب منظمات وفصائل، ولو ارتدت الكوفية الفلسطينية وحملت شعارات القدس والتحرير والمقاومة، إلا أنها في الحقيقة “تركب ” موجة القضية الفلسطينية بدعم خارجي إقليمي من دولة هي إيران أبعد ما يهمها تحرير فلسطين والقدس، إذ لو كان الأمر خلاف ذلك لكان من حقنا وحق كل عربي أن يسأل : أين فيلق القدس؟ أين صواريخ القدس؟ أين أنهاء إسرائيل بدقائق ورميها في البحر ؟
المؤامرة الإيرانية ومشروعية القبول العربي بدورها
من هنا فإن انكشاف المؤامرة الإيرانية لا بل الغش الإيراني للرأي العام العربي والإسلامي أسقط عن فصائلها وجماعاتها كافةً ومنها “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وسواهم المصداقية لا بل مشروعية القبول العربي بها وبدورها، فإيران كانت ولا تزال لا ترى وجودها وتحقيق أهدافها الإقليمية إلا من خلال الحرب وتعاظم الصراعات في المنطقة، ومحورها محور الحروب والدماء والعنف لأنه من دون هذه الدماء لا تستمر وتصبح آيلة للسقوط، وبالتالي لن يناسبها حصول سلام وإنماء وبناء وإعمار في الإقليم، من هنا لا يناسبها أي تطبيع مع إسرائيل لأنه عندها ينتهي دورها وتنتهي معه استراتيجيتها التوسّعية والاحتلالية لدول المنطقة.
“حماس” جماعة إسلامية تحمل السلاح انشقاقاً
-ثالثاً : حماس جماعة إخوانية تحمل السلاح انشقاقاً وهي تقريباً الذراع المسلحة التي تمثّل “الأخوان المسلمين” ومشروعهم الإقليمي العالمي، وبالتالي فإن إيران تحمل السلاح وتدعو الى الخلافة والإطاحة بالأنظمة العربية وهيكليات الدول العربية، وتسعى الى ما هو أبعد من فلسطين، أو تذكّرنا بكلام القيادي محمود الزهّار في الفيديو الخاص المسرَّب عندما إعتبر فلسطين “سواك ” في الفم للتسلية، متهكّماً بأن فلسطين لا تظهر على خريطة العالم، فحماس هدفها الاستراتيجي الدول العربية بأنظمتها وهياكلها وهي ضد القضية الفلسطينية وتمثّل أجندات غير عربية وتتواصل مع الحرس الثوري الايراني وإسرائيل لإلحاق الضرّر بالعرب والقضية الفلسطينية .
أداة تخريب إنفاذاً لأجندة إيران في المنطقة
“حماس” إسلامية لكن ليست عربية الانتماء، كما أنها ليست هي الممثّل الشرعي للشعب الفلسطيني والنضال الفلسطيني، تماما كما أن الحوثي ليس يمنياً بالانتماء، وليس الشعب اليمني وليس دين اليمن ولا ثقافة اليمن ولا سياسة اليمن، تماماً كما “حماس” التي هي فصيل فلسطيني انشق عن الوحدة الفلسطينية فقتل أهله من منظمة فتح وأبعد القضية الفلسطينية عن إطارها العربي المعتمِد على التفاوض كوسيلة وحيدة للحل، الى أن شأء أن يتحوّل الى أداة تخريب في المنطقة إنفاذاً لأجندات إيران ورعاته.
حماس مع المحور الذي تنتمي اليه، تسعى للحرب فيما دول المنطقة وحكوماتها تسعى الى الحل كمصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وغيرهم .
هدف ” حماس” تخريب العراق وسوريا ولبنان واليمن
- رابعاً : عندما يتم الحديث عن “حماس” ليس من منطلق معاداة مَن يقاوم إسرائيل، فليس هناك عربي واحد يمكنه الوقوف ضد مَن يقاوم إسرائيل، بل من منطلق مواجهة وفضح مَن يسعى الى تخريب الوضع الفلسطيني، ومَن ينشق عن الوحدة الوطنية الفلسطينية، ومَن يحول بتصرفاته وأعماله دون تحقيق دولة فلسطينية مستقلة،
فالذين يشكّكون في كل مَن يتناول حماس والجهاد والحوثي وحزب الله في لبنان والحشود الإيرانية وسائر الفصائل ضالعون في استراتيجية تشويه وتخريب القضية الفلسطينية وقتل الإنسان الفلسطيني وتخريب الوضع العربي، ومَن يعتبر حماس مجاهدة وحيدة لتحرير فلسطين كاذب ومغشوش لأنها لن تحرّر فلسطين، فأبناء إيران في الدول العربية موقفهم تخريب العراق وسوريا ولبنان واليمن ومعاداة حتى المسلمين في دينهم ومعتقداتهم الإيمانية.
” تصهين” حماس خدمةً لأهداف إسرائيل
لسان حال كل العرب والقسم الأكبر من المسلمين وغير المسلمين في المنطقة يقول اليوم أن حماس خرّبت غزة بحماقتها و”التصهين” ليس في فضح الأمر بل في خدمة أهداف حكومة إسرائيل، وتحديداً أجندة بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي كان أكثر المحرَجين أمام الأميركيين والسعوديين يوم جاؤوه بشروط التطبيع وفي مقدّمها الإقرار بحل الدولتين، وقد وقع بين فكي كماشة الضغط السعودي- الأميركي للتطبيع والضغط المتطرّف اليميني الذي كاد يفجّر حكومته من الداخل فجاء ٧ تشرين بمثابة خشبة خلاص له ولحكومته وحرّره من الالتزام بحل الدولتين فأنقذ بذلك حكومته … وحتى مصيره الشخصي ولو الى حين …
حماس وجماعاتها قدّموا أفضل خدمة لإسرائيل
هنا التصهين … وهنا خدمة أهداف الصهاينة، وحماس وجماعاتها قدّموا أفضل خدمة لنتنياهو وحكومته، وها هو الأخير يُمسك اليوم بأحشاء غزة ويقطع عن أهلها سبل الحياة …
ثم كيف يمكن أن تكون حماس مقاومة فلسطينية وهي لم تتحدث يوماً عن منظمة التحرير الفلسطينية، ولم تدافع عنها كما لم تتحدث يوماً عن “فتح” وتاريخها ونضالاتها من أجل القضية الفلسطينية لا بل لم تحي يوماً ذكرى خليل الوزير “أبو جهاد”، مؤسس انتفاضة الحجارة الأولى وقد قتلته إسرائيل في تونس لأنه بكل بساطة كان المقاوم الحقيقي لها ولم يكن عميلاً بل فلسطينياً وطنياً مقاوماً غير مرتهن .
إسرائيل هذه التي قتلت أبو جهاد على بعد الآف الأميال لم تقتل يوماً قادة حماس الذين هم تحت يديها على بعد أمتار منها، لا بل دعمت انقلاب حماس على السلطة الفلسطينية واستفرادها بالقطاع وتمكينها من الحصول على كافة امتيازات السلطة في القطاع وسهّلت مدّها بالأموال والتمويل الخارجي عبر مرافق حكومات نتنياهو المتعاقبة، فضلاً عن المساعدات المتدفّقة باستمرار للقطاع حتى ٧ تشرين الأول الماضي.
الغاز تفكّك والحرب مستعِرة وغزة تُدمَّر كل ساعة وشعب أعزل مغلوب على أمره يدفع الثمن من أرواح ودماء أطفاله ونسائه وشيوخه وشبابه … بئس هكذا حماقة … وبئس هكذا مصير .