لم يعد خافياً على أحد الاستنفار الكبير لحزب الله في هذه المعركة الإنتخابية، والذي كلّله أمس أمينه العام السيد حسن نصرالله بالدعوة للتعبئة الشعبية القصوى .ولن يكون مفاجئاً لأي أحد أن يبلغ التجييش حد اعتبار 15 أيار بمثابة 5 و6 أيار إنتخابي للحزب أو حرب تموز سياسية، لأن الحزب أيقن أن هذه الإنتخابات ليست كسابقاتها ولن تكون شيكاً على بياض له للاستمرار في الستاتو كو الذي ساد في سنوات عهد حليفه الرئيس ميشال عون.وقد صدق الدكتور سمير جعجع تعليقاً على كلام أمين عام الحزب حين وافقه الرأي على أن من يريد أن يبقى لبنان كما هو عليه ( أي بلد فاشل ومتخلف ) عليه أن يصوّت للمقاومة.فلا نغالي إن قلنا أن الحزب اليوم أمام تحدٍ مصيري في 15 أيار، وقد بانت مؤشرات تراجعه في نسب تصويت المغتربين التي جاءت في غالبية كبيرة ضد خطه ونهجه وضد الثنائي الشيعي كاملاً .
فالحزب في معركته مطوق من ثلاثة محاور :
– محوره الداخلي الشيعي في ظل حال التململ والرفض والإنتقاد في بيئته الشيعية اعتراضاً على نهجه الإجتماعي والاقتصادي والسياسي والذي لم ينجح في معالجة تدهور أحوال طائفته أسوة بكل طوائف لبنان وكل اللبنانيين، لجهة غياب الديمقراطية في الطائفة مع مصادرة الثنائي للصوت الشيعي وتغطية الحزب للفاسدين في السلطة وعجزه عن تقديم أي إضافة لجمهوره تقيه من القهر الإجتماعي والمعيشي .
– محور لبناني وقد باتت اللوائح المنافسة للحزب في مشاريعها وبرامجها تحاصره بموضوع السلاح وتطبيق القرارات الدولية وهو مضطر للرد عليها بما ليس لديه شيء مقنع لإسكاتهم به، فلجأ ولا يزال للمهاترات الشعبوية والمواقف الحادة والمهددة والمحذرة، محاولاً قلب الحقائق والوقائع بتصوير الأمر وكأنه حرب إلغاء عليه، فيما المطلوب ليس إلغاء الحزب بل حصر السلاح بيد الدولة والخضوع للقوانين والأنظمة.
– محور خارجي مأزوم متمثل في حال البلبلة التي تسود الملف النووي الإيراني وتوقف الأميركيين عن التفاوض مع طهران بسبب موضوع الحرس الثوري والضغوطات الداخلية التي يواجهها الرئيس الأميركي جو بايدن من الجمهوريين وبعض الديمقراطيين ومن إسرائيل ومن دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي أبلغت رئيس الإستخبارات الأميركي وليام بيرنس أخيراً في الرياض موقفها من ملف الحرس الثوري والتفاوض في فيينا، فضلاً عن انقلاب المشهدية مع تقلًب الحسابات الإقليمية والدولية التي أملتها الحرب في أوكرانيا وتراجع قوة روسيا – بوتين في المنطقة لانهماكها في حربها هناك، كما تراجع التأثير في الملف السوري ما يفسر استدعاء مرشد الثورة علي خامنئي لبشار الأسد الى طهران، بما يشبه إبلاغه بأن الأمر في سوريا عاد الى طهران، محاولةً منها لاستجماع إيران أوراق جديدة ضاغطة على الأميركيين لدفعهم نحو رفع الحظر عن الحرس الثوري الإيراني والإستجابة لطلباتها، في وقت دخلت سوريا مرحلة أزمة طاقة وهي بحاجة لتفعيل خط الائتمان الإيراني ( قروض ميسرة وتسهيلات مالية ) لبلاده ودعم إيران الاقتصادي له.يُضاف الى ذلك قلق دفين لدى ميليشيات إيران في المنطقة من أن يذهبوا ضحية مقايضة بين إيران والأميركيين في اللحظة الأخيرة من ضمن تسوية شاملة في المنطقة أو لملفها النووي .
لن يشفع بعد اليوم للحزب وأمينه العام أن يضيف الى سلاحه مهام حماية النفط والغاز في البحر والتصدي لإسرائيل، كما لن يشفع للأمين العام عبارة ” فشروا”… كما لن تشفع له حساباته ما بعد الإنتخابات فيما لو فقد أكثريته الحالية مع حلفاؤه، بمراهنته على أكثرية مقابلة مشتتة ومبعثرة، إذ تلك الأكثرية الجديدة، إن انتصرت، فإنها لن تتوحد الا على موضوع سلاحه داخل قبة البرلمان الجديد .