لطالما رددت أوساط حزب الله أن قيادته مرتاحة لأي استحقاق دستوري سواء إنتخابي أو رئاسي، وأظهرت على الدوام برودة أعصاب وهدوء وتحكّم بالإنفعالات والمواقف .هذه المرة، يبدو أن الحزب يمر بمرحلة عصبية ضاق معها بأي صوت شيعي معارض له .
تتوالى الإنسحابات من قبل المرشحين الشيعة الذين لطالما اعتبروا أنفسهم مستقلين ومعارضين للحزب وسياساته .من الواضح اذاً أن الحزب دخل المعركة بقضه وقضيضه ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول هذا الإندفاع نحو التورط المباشر في الضغط على مرشحين مستقلين لسحب ترشيحاتهم من لوائح سيادية بامتياز .هناك عدة أسباب واعتبارات ليس أقلها :
-أولاً الوضع الإيراني المحاصَر في فيينا حيث المفاوضات تبدو مجمّدة أو في أفضل الأحوال متباطئة على وقع حرب أوكرانيا وإفرازاتها المتفاقمة دولياً وإقليمياً، وسط ضبابية مرتسمة في أفق الإتفاق العتيد ما يحدو بأذرع إيران وبخاصة في لبنان الى التشدّد في الإمساك بأوراق سياسية وطائفية وإحكام القبضة الشيعية على الطائفة لتعزيز أوراق إيران التفاوضية في مرحلة مقبلة، سواء حيال الملف النووي أو التركيبة المستقبلية للبنان .
-ثانيا وإنطلاقاً من السبب الأول أعلاه، لبنان مقبل بعد الإنتخابات النيابية على إنتخابات رئاسية، ما يعني أن معركة إيصال أقرب حليف للحزب الى السدّة الأولى ستتطلب أن يكون المكون الشيعي الممسوك كلياً من الحزب وحليفته حركة أمل قادر على، إما نسف أي استحقاق رئاسي وأما فرض مرشح يواليه،لاسيما وأن المرحلة المقبلة ستشهد إحياءً لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل واستكمال مفاوضات صندوق النقد الدولي، الأمر الذي يريد الحزب أن تكون له القدرة وفق أكثرية نيابية أقرب كلمة الفصل .
فالحزب ومع الحركة يريدان السيطرة على المجلس النيابي ووزارة المال عَصَبَي أي إصلاح أو تغيير في البلاد لقطع الطريق أمام أي نهج سيادي يمكن أن يُخرج لبنان من عباءة إيران .-ثالثاً الحزب على دراية بأن المرحلة المقبلة ستشهد طرحاً لحوار حول صيغة جديدة للبنان، فلذا يسعى من اليوم الى الإنتقال من مرحلة التعايش مع النظام الحالي الى مرحلة نقضه لتغيير المعادلة المسيحية السنّية التي لطالما حكمت لبنان منذ ١٩٤٣ ولغاية الطائف .وفي هذا السياق، تجدر الإشارة الى أن واحدة من اهتمامات الثنائي الفرنسي- السعودي حيال الملف اللبناني هو عدم السماح للمكوّن الشيعي بتحقيق غلبة ساحقة على المكوّنين المسيحي والسنّي في أية صيغة حكم جديدة يتم تقريرها للبنان إنطلاقاً من قناعة فرنسية- سعودية بأن لبنان بات محكوماً من طهران وليس من بيروت، واذا على سبيل المثال يتمسك الفرنسيون بنجيب ميقاتي فيما السعودي يريد تعويم الدور السنّي للرئيس فؤاد السنيورة .وبالعودة الى مرحلة البحث في صيغة جديدة للبنان، فإن الحزب يخوض من الآن عبر معركته الإنتخابية البرلمانية معركة ترسيخ معادلته في المشهد اللبناني المقبل كرقم صعب وطليعي للطائفة الشيعية في أي شيء يُقرر للبنان ولأية صيغة حكم للبنان .اليوم يملك الحزب القوة المادية المتمثّلة بالسلاح غير الشرعي والتحكّم بكافة مفاصل الدولة بقوة السلاح الفائضة، ويملك المال الرسمي للدولة عبر وزارة المال والتوقيع الثالث كما يُوصف، وغداً سيسعى الى أن يصادر كلياً الطائفة ليصبح الناطق الوحيد غير المنازع عليه ولتصبح كلمته مرجحة مع أكثريته التي يطمح لتحقيقها ويصل الى فرض المثالثة بالطرق الدستورية وينتقص من حقوق المكونَين المسيحي والسنّي أي بعبارة أوضح : إما مشروع حرب أهلية جديدة وإما مشروع تفتيت جديد للبنان .
وبناء على كل ما تقدّم،دخل لبنان مرحلة أصعب ما فيها أنها ستبدأ بانتخابات نيابية ولكن لا أحد يدري ما الذي سيحصل بعدها من تطورات ومفاجآت، فالحزب مستبسل في معركته الإنتخابية لأن عينه على سان كلو جديدة أو طائف شيعي جديد لاحقاً ينهي هوية لبنان الحالية.