لا يبدو الخلاف بين بلديتي بشري والضنّية على ملكية الأراضي في القرنة السوداء، عابراً أو مستجدّاً، بل على العكس، فهو يندرج في سياق صراع عقاري ـ تجاري بالدرجة الأولى، ولكنه يُخفي في طيّاته مواجهة حادة بين مشروعين سياسيين بمعزل عن كل الحديث المتداوَل عن تنمية وحقوق طائفية، وذلك، مع العلم أن الصراع انفجر منذ نحو عام وعلى إثر إنشاء بركة مياه إصطناعية أو “بركة سمارة”، وتحوّل مع الوقت إلى خلاف على تلة سمارة المشرفة على البركة المذكورة، وذلك بين بلديتي بقاعصفرين قضاء الضنية وبلدية بشري.
وعلى الرغم من أن الحسم في مثل هذه الخلافات هو بالإحتكام إلى القضاء من أجل البتّ بالنزاع العقاري بعيداً عن أية اعتبارات سياسية، فإنه من الصعب عزل هذا الملف عن الإعتبارات السياسية، خصوصاً لجهة ارتباطه من حيث الشكل والمضمون بالخلاف القديم المتجدّد بين فريقين مسيحي وشيعي، أو بين الكنيسة كون غالبية الأراضي المتنازَع عليها في القرنة السوداء أو في لاسا أو في العاقورة أو اليمّونة تعود ملكيتها للكنيسة.
ويرتدي النزاع العقاري طابعاً مناطقياً، بينما في الواقع هو صراع طائفي مئة بالمئة، ولا يهدف سوى إلى تمرير مخطّط للإستيلاء على المزيد من الأراضي في مناطق استراتيجية وبالغة الأهمية على أكثر من مستوى.
وفي الوقت الذي تحدثت فيه معلومات خاصة عن أن خرائط الجيش اللبناني، كما بيانات السجل العقاري، حول توزيع وملكية العقارات في القرنة السوداء واضحة، فإن ترسيم الحدود بين قضاءي بشري والضنّية قد بات أمراً ضرورياً من أجل تحديد ملكية الأراضي، وليس الذهاب نحو فرض أمر واقع وعبر استخدام منطق القوة والفرض، وذلك سواء في القرنة السوداء اليوم أو لاحقاً في لاسا أو العاقورة.
ومن ضمن هذا السياق، اعتبرت مصادر نيابية مواكبة، أن الخلاف قد امتدّ إلى القرنة السوداء أخيراً بعدما كان بدأ من لاسا، موضحة أن الأسباب واضحة وهي وضع اليد على أملاك الوقف الماروني، أو الأراضي التابعة للكنيسة في هذه المناطق، وذلك تحت عنوان “الصراع بين خياري الدولة أو اللادولة”.
والحلول واضحة، بحسب المصادر، التي ركّزت على أهمية الرهان على القانون لحلّ كل النزاعات العقارية، ذلك أن لجوء كل مجموعة مناطقية أو طائفية إلى تحصيل حقوقها بيدها ومن خلال فرض أمر واقع عبر استخدام القوة، هو أمر خطير سيؤدي إلى إرساء شريعة الغاب في لبنان. وكشفت، أن دخول “حزب الله” على خط الخلاف العقاري وممارساته، غير مقبولة وتنمّ عن نوايا غير سليمة، وأقلّ ما يُقال فيها أنها تسلّطية، كما أنها مرفوضة على المستويين الوطني والسياسي.
ودعت المصادر النيابية، الأجهزة الأمنية المختصّة إلى التدخل وتدارك الأمور قبل فوات الأوان والوصول إلى الأسوأ، مشدّدة على أن رهانها هو على دولة القانون، وستبقى تطالب بتطبيقه ولن تبقى صامتة عن أية تجاوزات في المرحلة المقبلة.
