حوار “كل مين بلدو إلو”

الرئاسة

بقلم عماد حداد

يشكّل الكلام المتكرر عن الحوار مادة دسمة لتمادي البعض في تفادي جوهر الأزمة الذي لا يحلّه حوار حول الرئيس وشخصيته ومهمته، فدور الرئيس محدّد بالدستور في أي بلد متحضّر أو متخلّف، في فرنسا كما في سوريا، في أميركا كما في إيران، ولا يفترض وضع مواصفات للرئيس إلا بالتزامه دستور البلاد وصلاحياته ومصلحة شعبه، فالحوار المطروح اليوم ليس حول الرئيس بقدر ما هو حول الرئاسة ودورها وموقعها على رأس السلطة والحكم بين الجميع والحامي للدستور والحدود الدستورية لجهة الفصل بين السلطات قبل الحدود الجغرافية للجمهورية اللبنانية.

الحوار المطروح اليوم كان بالإمكان إيجاد مبررات له قبل نهاية العهد السابق وعلى قاعدة المساواة والعدالة لتفادي الشغور الرئاسي أما مع الوقوع في الفراغ فطرح الحوار أصبح مادة للإبتزاز خاصة وأن رئاسة المجلس النيابي لم تقم بواجبها كاملاً في محاولة انتخاب رئيس جديد للجمهورية والتزام الموجبات الدستورية بعقد جلسات مفتوحة كان من شأنها وبنسبة كبيرة أن تصل إلى خواتيمها بانتخاب رئيس للجمهورية بين أحد المرشحَين سليمان فرنجية وميشال معوض مع حفظ الألقاب، كما كان بإمكان التشاور بين القوى السياسية الناخبة بين دورة وأخرى أن يتوصل إلى توافق لانتخاب مرشح التسوية من الشخصيات المتداول بإسمائها جهاد أزعور، قائد الجيش جوزف عون، أو شخصية أخرى من خارج نادي المرشحين.

أما الحوار تحت ضغط الشغور الرئاسي فهو خيار واختبار سبق تجربته في الشغور الأول بعد دستور الطائف والذي أتى بالرئيس السابق ميشال سليمان والشغور الثاني الذي أدّى إلى انتخاب الرئيس السابق ميشال عون، هذا النجاح في التوصل إلى انتخاب رئيس أدى إلى فشل ذريع في ممارسة السلطة ومعالجة الأزمات الداخلية مما أدّى إلى تراكمها وتفاقمها وانفجار بركانها المحتقن بفائض القوة وفائض السلبطة على المؤسسات الذي مارسه الثنائي الشيعي من خلال سلطتين، تشريعية وسلاح غير شرعي مهيمن على رئاستَي الجمهورية والحكومة ويرهن مصلحة لبنان واللبنانيين بدعم وإسناد تارة وكرأس حربة أطواراً لمحور الممانعة.

هذا الأسلوب الذي أصبح نمطياً لم يعد ينفع معه الحوار، وحده اعتماد الدستور وسقف الدولة هما الكفيلان بالحفاظ على وحدة الأرض والمؤسسات والمصير، والحوار لم يعد جائزاً إلا على قاعدة الفصل بين السلطات وفي ظل اكتمال عقدها، الرئيس نبيه بري ليس مؤهلاً للدعوة للحوار ولا لترؤسه كونه أصبح طرفاً في الصراع السياسي، فما معنى أن يوافق على مبادرة تكتل “الإعتدال الوطني” مع إصراره على ترؤس الحوار أو التشاور أو التواصل فيما هو لبّ الأزمة والقابض على الحلّ والرافض للإفراج عنه بالدعوة لجلسات مفتوحة التي لو التزمها لكان لدينا رئيس هو ميشال الثالث، معوض بعد سليمان وعون. إصرار الثنائي على التلاعب بالدستور وكأن “البلد إلو” والآخرين رعايا وعابري سبيل، سيؤدي حتماً إلى حوار “كل مين بلدو إلو” بعد فشل التركيبة الحالية في اعتماد مبدأ “الدين لله والوطن للجميع”.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: