قد تكون الإشارة الأولى الإيجابية التي يمكن ملاحظتها اليوم على مستوى المقاربة العملية والفاعلة لأزمة الإنهيار المالي والمصرفي التي ضربت لبنان في العام 2019 وبقيت السلطة بحكوماتها المتعاقبة “لا مبالية” لا بل في دائرة التواطؤ على القطاع المصرفي وعلى المودعين من خلال الهروب من المسؤولية، عبر التقاعس عن اتخاذ الإجراءات الضرورية من أجل لجم الإنهيار والسعي إلى محاسبة الجهات التي دقعت باتجاه سقوط النظام المالي.
وعلى هذا الأساس، تأتي الخطوة التي سُجلت من قبل القضاء، والتي أدرجت من ضمن “عملية إعادة هيكلة القطاع المصرفي، من ضمن إجراءات متابعة العمليات المالية التي تمت بعد ١٧ تشرين الاول ٢٠١٩، ومتابعة حركة التحويلات والشيكات المصرفية وسداد القروض لبعض الحسابات”.
فقد كشفت معلومات خاصة لموقع LebTalks أن النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون وجهت كتاباً إلى رئيسة لجنة الرقابة على المصارف مايا دباغ، تطلب إفادتها كل المعلومات المتعلقة بحسابات الشركات والأشخاص الذين استفادوا من الأزمة المالية، عبر التجارة بالشيكات المصرفية وتسديد قروض ضخمة بالعملات الأجنبية من خلال شيكات مصرفية حصلوا عليها من السوق السوداء، وذلك على أساس أن هذه العمليات هي التي تسببت بتعميق الأزمة كون هؤلاء استفادوا وحققوا أرباحاً خيالية على حساب المودعين والودائع.
ومن المعلوم أن مؤسسات وشركات عقارية معروفة، هي التي استفادت من مجمل هذه العمليات، ما تسبب بهدر الودائع في المصارف.
وقد نص كتاب عون الذي حصل موقع LebTalks، على نسخة منه، على إفادة عن “كل المستفيدين من عمليات مالية وعن حجم المبالغ التي صُرفت لتسديد قروض ممنوحة ابعض العملاء بالعملات الأجنبية من ودائعهم وعلى أي سعر صرف للدولار الأميركي”.
ويندرج في الكتاب أيضاً تحديد حجم السحوبات الحاصلة تطبيقاً لتعاميم مصرف لبنان 151 و158 وحجم الشيكات المصرفية التي طلب المودعون إصدارها بالعملات الأجنبية لصالح مستفيدين.
ووفق مصادر إقتصادية فإن قرار عون، يحدد للمرة الأولى، المسار القضائي الجدي والذي يتجه مباشرة إلى الهدف ومن دون المرور بمتاهات وإجراءات تلتف على الأزمة الحقيقية ومن دون تحقيق الهدف المطلوب وهو حماية الودائع.
ومن الواضح أن لجنة الرقابة على المصارف لم تقم بأي إجراء منذ بدء الأزمة في تشرين الأول ٢٠١٩، حيث أنها لم تتخذ أي قرارات تسمح بتنفيذ مجموعة خطوات رقابية تؤدي إلى الحد من الممارسات غير الشرعية التي كانت تحصل في ذلك الوقت، ولم تتخذ أي إجراءات جدية في لجم عملية تسكير الديون والقروض الكبيرة بالطريقة الفوضوية التي حصلت خلال الأعوام الماضية، علماً أنها ركزت في مقارباتها غير المجدية، على بعض التفاصيل المتعلقة بالقطاع المصرفي ولكن من دون أن يكون لهذا الأمر أي انعكاسات إيجابية وذلك بالنسبة للحد من سرعة الإنهيار ومواجهة والحد من الممارسات التي أساءت إلى القطاع كما إلى المودعين.
وتبقى القاضية عون، رغم كل الحملات التي تعرضت لها ولا تزال، تحمل راية “حقوق المودعين” وتحارب من أجل إسترجاعها، من كل من سيثبت التحقيق تهربه أو تورطه في عملية نهب الودائع وحرمان اللبنانيين من جنى عمرهم.