خلفيات الوضع الإيراني وحساباتها الإقليمية

iran-800x549

مع استمرار اﻻنتفاضة الشعبية في الجمهورية الإسلامية في إيران، إضطر مرشد الجمهورية علي خامنئي الى التدخّل مباشرةً وشخصياً في إطلالة نارية أثناء حفل تخرّج بعض الطلبة العسكريين، حيث انتقد المرشد التظاهرات واعتبرها مدبّرَة ومدعومة من قوى وجهات خارجية كاميركا وإسرائيل، متهماً إياها بأنها تريد إضعاف إيران وضرب مصالحها.كلام خامنئي يُعتبر رفع غطاء رسمي عن المتظاهرين بحيث أن مداخلة المرشد تُعتبر بمثابة إشارة الى قمع عنفي للمظاهرات بعدما أفتى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية بأنها مدبّرَة ومدعومة من قوى خارجية متآمرة على النظام الإيراني. تحليل لوكالة رويترز لفت الى أن السلطات الإيرانية حاولت في الأسبوع الأول على اندﻻع التظاهرات تجنّب وقوع قتلى، ولم تطلق الشرطة بدايةً الرصاص الحي لعدم إيقاع قتلى من بين المتظاهرين ومنع تصاعد ثورة الشعب، فالنظام الإيراني الحالي قام على ثورة أطاحت بشاه إيران وبالتالي فإن النظام الحالي هو إبن الثورة أيضاً ويعرف كيف يتعامل مع المظاهرات ووفق أي خطة وبخبرة كبيرة في التعامل مع المحتجين.

إن ما فاجأ النظام الإيراني رغم ذلك هو اتساع رقعة اﻻحتجاجات وتصاعدها بعدما توقّعت السلطات أن تلك اﻻنتفاضة ستنتهي خلال أسبوع أو عشرة أيام كحد أقصى اﻻ أن ذلك لم يحصل.

الأخبار المتعلقة بصحة المرشد الأعلى لعبت دوراً كبيراً في تصاعد اﻻحتجاجات وتوسّعها خاصة بعدما أُشيع عن مرضه الشديد واقتراب موعد وفاته، علماً أن ليس هناك آلية واضحة ﻻنتخاب خليفة للمرشد في حال وفاته، فمجلس الخبراء مكوّن من ثلاث وثمانين خبيراً مكلفين باختيار خليفة لعلي خامنئي.وفي المعلومات أن مناقشات حادة دارت في هذا المجلس حول الرجل المناسب للحلول مكان المرشد في حال وفاته أو تعذّر استمراره في إدارة الدولة، وقد انقسمت الآراء بين مَن يدعم الرئيس الإيراني الحالي إبراهيم رئيسي لتولي المنصب، ومَن يفضّل إبن علي خامنئي، ما أدى الى انقسام حاد بين قادة السلطة العليا في إيران.

هذه الخلافات في قمة السلطة سرعان ما انعكست تصدّعات على مستوى القيادات الأمنية خاصة وأن رقعة التظاهرات بدأت تتسع شاملة المدارس والجامعات والأحياء والمناطق الكبرى ضد المرشد، مطالبةً بعزله أو قتله أو الإطاحة به.

وإزاء العجز على السيطرة على التظاهرات داخل المدن الكردية في إيران، بادر الحرس الثوري الى قصف تلك المدن مخافة دعم أكراد الشمال أشقاءهم المتظاهرين في طهران والمدن الإيرانية الداخلية، ما يصعب معه السيطرة على الثورة وضبط الفوضى التي تعم البلاد بناءً لذلك.كل هذه اﻻعتبارات حدت بالسلطة والشرطة في إيران الى تغيير منهجية مواجهة المتظاهرين حيث تغيّرت استراتيجية رجال الأمن من الحياد الى التدخّل العنفي والقمعي، فسقط عشرات القتلى من المتظاهرين بنيران رجال الأمن والشرطة، ما أثار المتظاهرين أكثر، علماً أن ﻻ قادة معينين لهذه التظاهرات تماماً كما كانت ثورة تشرين اللبنانية بلا رأس وﻻ قيادة.ثمة حقيقة ﻻ يجب أن تغيب عن بالنا أﻻ وهي أن للنظام الإيراني الحالي اتباع كثر ومؤيدون واستشهاديون مستعدون لإراقة الدماء في سبيل الحفاظ على النظام الذي يُعتبر سقوطه حالياً صعباً وإن لم يكن مستحيلاً.

الأكيد أن صورة المرشد في الشارع الإيراني ومن خلالها نظام الملالي قد اهتزت ولم يعد هناك انسجام بين الشعب وقيادته ونظامه، والقادة الإيرانيون لم يعودوا مصدر ارتياح وثقة لدى الشعب.

تبقى أن العلامة الفارقة في الموضوع الإيراني هي أنها المرة الأولى التي نرى فيها السلطات الإيرانية تتهم وسائل الإعلام المحسوبة على المملكة العربية السعودية بأنها تؤجج التظاهرات من خلال تحريض الثوار، وقد أدرك النظام الإيراني أن ﻻ قطع الإنترنت وﻻ قتل الناس كافيين لتهدئة الثورة، علماً أن الإنترنت لم ينقطع كما هو مطلوب، وقد ساعدت واشنطن على فتحه جزئياً من خلال أقمار صناعية.الرد الإيراني على المملكة جاء من بوابة اليمن حيث قرّر الحوثيون رفض الهدنة بعدما تلقوا من إيران أسلحة متطورة جديدة ومسيّرات لتهديد مصالح المملكة والإمارات العربية، وقد وجهوا تهديدات واضحة وخطيرة في الساعات الماضية بهذا اﻻتجاه ضد شركات النفط العاملة في البلدين ما أثّر على سعر النفط الذي أخذ بالصعود ليصل سعره منذ ساعات الى ٩٠ دولاراً للبرميل الواحد.

حتى أمين عام حزب الله حسن نصرالله تدخّل في شتم المملكة العربية السعودية وانتقاد العراقيين الذين اتهمهم بالجحود تجاه طهران، التي وبحسب كلامه، أمدت العراق بالكهرباء ووقفت الى جانبه في محاربة داعش، متناسياً أن إيران كانت في أساس خراب العراق، سواء من خلال ميليشياتها العراقية أو من خلال مطالبة العراقيين بتسديد أسعار الغاز، بالإضافة الى نظرة إيران للعراق ودوره على أنه دولة آيلة للتقسيم وأنه يجب أن يُبنى على الأسس الإيرانية، ما يبرّر لطهران السيطرة على العراق ولو تفتت أو حصلت فيه حرب أهلية تماماً كما في لبنان، حيث يسيطر حزب الله ويتحكم بمفاصل الدولة كافة بإسم إيران، ما أدى الى خراب لؤلؤة الشرق.

وانطلاقاً من مجمل الكلام، تبدو إيران حالياً في مرحلة دقيقة ومصيرية وجدية يتعلق أمل النظام فيها بالبقاء على مدى حاجة الغرب والأميركيين تحديداً اليه ومتابعة التخادم بينهما في سبيل استكمال خطة إضعاف المنطقة العربية، لكن يبدو أن عقارب الساعة ﻻ تعمل بالقدر المطلوب من الأريحية لصالح طهران، لاسيما وأن دول المنطقة كما دول الغرب بات مقتنعة، وإن بدرجات متفاوتة، بخطورة استمرار الدور الإيراني الذي قد ينقلب عليها في أي وقت ويقضي على خططها في المنطقة.خلفيات وحسابات تتبدّل وأوراق يُعاد خلطها فيما وقع التظاهرات في المدن الإيرانية يفضح يوماً بعد يوم عمالة النظام اإيراني للغرب وتخادمه مع اسرائيل.وللملاحظة : خَفتَ صوتُ إسرائيل المندّد والمهدّد بضرب النووي الإيراني، في وقت تمرر فيه تل ابيب اتفاق ترسيم حدود مائية مع لبنان ذي الوجه الإيراني لإفادة الطرفين من ثروات البحر اللبناني.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: