شكلت المواقف الاخيرة لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع محط انتباه للكثير من القيادات اللبنانية، لا سيما في ما يتعلق برئاسة الجمهورية.
وفي هذا الاطار، إعتبر الكاتب والمحلّل السياسي جورج أبو صعب أن مواقف القوات اللبنانية ورئيسها الدكتور سمير جعجع في موضوع انتخاب رئيس للجمهورية تشكل "البوصلة" الحقيقية لكل سيادي يهمّه خروج الاستحقاق الرئاسي من قبضة حزب الله ومحور إيران، وعدم تكرار تجربة انهيار البلد أكثر فأكثر كما مصادفة السنوات الست الأخيرة.
وشدّد أبو صعب على أن موقف القوات من الاستحقاق ينطلق من معادلة واضحة مفادها أن الخيار نفسه سيؤدي لا محالة الى النتيجة نفسها، وقد جرّب اللبنانيون على اختلاف انتماءاتهم الوطنية والطائفية والمذهبية بمن فيهم الطائفة الشيعية الكريمة مرحلة حكم الحزب وحلفائه، ويعيشون جميعهم اليوم نتائج هذا الحكم بتداعياته الكارثية على الجميع إقتصادياً ومالياً ومعيشياً وسياسياً وأمنياً، فهل المطلوب تكرار نفس التجربة والأمل بنتائج أفضل؟
وتابع أبو صعب في حديث عبر LebTalks : "الدول الصديقة التي تحاول على طريقتها مساعدة لبنان مشكورةً ومن ضمنها الاجتماع الخُماسي في باريس ووفده في لبنان، لا تهتم إلا بملء موقع الرئاسة بأي شخص على قاعدة تدوير الزوايا وإيجاد رجل معتدل يرضي كل الأطراف، إذ لا يمكنهم أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك، لذلك علينا نحن كلبنانيين وكسياديين أن نصحّح البوصلة ونُبلغ اللجنة الخُماسية اهتمامنا وأولويتنا بشخص الرئيس ومواصفاته، وبخاصة أن يكون سيادياً وإصلاحياً وخارجاُ عن محور إيران وحزب الله وسطوتهما".
وتابع أبو صعب : "حزب الله يريد رئيساً يحمي ظهر المقاومة كما يقول، ونحن نريد رئيساً ينقذ لبنان وهنا الفارق الجذري في التوجهات والأولويات، فالحزب يرى أن سلاحه يختزل لبنان ودوره ووضعه وهذا خطأ ومرفوض منا كسياديين لأننا نعتبر أن سلاح حزب الله هو الذي جلب للبنان الأزمات والكوارث والانهيار الذي نحن فيه بفعل الخيارات السياسية لهذا السلاح ولمحوره، والتي أدت الى عزل لبنان عربياً وخليجياً تحديداً ومن ثم عالمياً، والى منع حصول الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي لعدم التزام الحزب القابض على مفاصل القرار بشروط الإصلاحات العديدة والتي لا تقتصر على شرط أو ملف.
ورداً على سؤال حول خطاب السيد نصرالله الأخير في هجومه على أميركا، لاحظ أبو صعب أن لأميركا مَن يدافع عنها، فما يهمنا من حديثه ما يمسّ بلبنان ومصالحه، فهل أميركا مسؤولة عن غياب الكهرباء 24/24 منذ سنوات؟ وهل أميركا مسؤولة عن التهريب بين حزب الله ونظام بشار اأسد وانفلات الحدود بين البلدين؟ وهل أميركا مسؤولة عن الفساد في اﻻتصالات واﻻنهيار المالي وملفات الفساد في الدولة كافة؟ وهل أميركا مسؤولة عن تهريب الكبتاغون الى الدول الشقيقة والصديقة؟ وهل أميركا مسؤولة عن ضرب علاقات لبنان الخارجية والعربية والخليجية وبخاصة مع المملكة العربية السعودية؟ وهل أميركا مسؤولة عن عدم تسليم حزب الله سلاحه للدولة اللبنانية والاحتفاظ به خدمةً لواشنطن؟ وهل أميركا هي المسؤولة عن عدم تطبيق القرارات الدولية الخاصة بلبنان؟
فكل ما يهدف اليه الأمين العام لحزب الله في خطابه هو تحريف الأنظار عن حقيقة كونه هو المتسبّب بالأزمات والانهيار في لبنان، وهو ليس بمرتبة ندّية مع الأميركيين كي يهدّدهم ما لم يتلقَ من طهران تعليماته وأجندة تحركاته، فالحزب منفذ وليس مقرّراً وكل الصراخ والتهديدات لأميركا لن تستطيع إخفاء حقيقة قبضته وسطوته على الدولة ومفاصلها وجرّ لبنان نتيجة سياساته الى الهلاك الحتمي إن هو استمر في إدارة السلطة.
من هنا، نحن كسياديين نعتبر خطاب نصرالله "ذر رماد" في العيون ومحاولة نقل المشكلة الى ميدان آخر لا علاقة له بحقيقة ما يعانيه لبنان بسببه أولاً وأخيراً.
وختم أبو صعب بالتشديد على ضرورة عدم المشاركة في أي جلسة تشريعية قبل انتخاب رئيس، ليس فقط عملاً بنص الدستور بل وخاصة لعدم إعطاء المجال للحزب والممانعة بالاستمرار في حكم البلد من خلال مجلس نيابي وحكومة تصريف أعمال من دون رئيس للجمهورية، ومن هنا أهمية توقيع 46 نائباً معارضاً للجلسة التشريعية لمنع تخطّي الرئاسة كأولوية، وبالتالي منع الحزب والممانعة من استسهال اﻻستمرار في العمل والتشريع ضمن الشغور الرئاسي، وعلى الرئيس نبيه بري تحمّل مسؤولية تاريخية في الطعن بثوابت لطالما حكمت المعادلة اللبنانية الداخلية وكانت في أساس قيام لبنان بصيغته الحالية انطلاقاً من إرادة بكركي الممثِلة للضمير المسيحي الجماعي.
