“داعش” راجع لإنقاذ النظام السوري و”الحزب”!

WhatsApp-Image-2023-08-21-at-6.00.10-PM

عاد الكلام عن تنظيم “داعش”، بعدما شهدنا تراجعاً كبيراً في عملياته ونشاطاته في الأعوام الستة الأخيرة. وفي قراءة معمقة نرى أن عودة ظهور هذا التنظيم مريبة جداً، وتأتي غب الطلب كلّما شعر محور الممانعة بالضغط او اقتضت مصالحه الاستعانة بهذا التنظيم الأصولي الإرهابي المسلّح، ولا سيما في العراق وسوريا ولبنان.
تشبه عمليات “داعش” ضد جيش النظام السوري و”حزب الله” الأفلام السينمائية المشوّهة، ولسخافة هذا المحور الممانع، تظهر هجمات داعش دائماً كأنها مركّبة، وتفاصيلها مثيرة للسخرية، وكان آخرها ملاحقة “حزب الله” لـ”الداعشي” السوري وسام دلا الذي أنهى حياته منتحراً في حي السلم بالضاحية الجنوبية.
ما لا يبدو منطقياً في هذه العملية ان دلا المتورط في تفجير مقام السيدة زينب ليلة عاشوراء في الشهر الماضي، اختار أن يحتمي في الضاحية الجنوبية وهي منطقة مكتظة وتشكّل عريناً لـ”الحزب” في لبنان، علماً أن “الحزب” سمح لنفسه القيام بمهام الأجهزة الأمنية مطارداً “الداعشي”. بل أكثر من ذلك، ليس توقيت العملية بريئاً، إذ جاء تزامناً مع حدثين مربكين لـ”الحزب”: أولهما النقاشات السياسية المحتدمة حول سلاحه في ظل جو مسيحي غاضب بعد حادثة الكحالة مما أعاد الجدل حول السلاح بشكل لم يكن مألوفاً خلال الأعوام السابقة. أما الحدث الثاني فهو الاستقطاب داخل البيئة الشيعية على خلفية قرار هيئة التبليغ الديني في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وتراجع المجلس عنه، حول عزل الشيخ ياسر عودة و14 شيخاً آخرين، وهو حدث أظهر تعاطفاً يتخطى ما هو مقدس بالنسبة للشارع الشيعي، وأظهر تبدل المزاج في البيئة الشيعية.
من هنا أصبحت استعانة “الحزب” بداعش ضرورية لتوجيه الأنظار إلى مكان آخر واستنهاض الشارع ضد “داعش” أو “راجح” كما هو معروف في مسرحية الأخوين الرحباني.
أما النظام السوري فيعيش رعبا داخليا وخارجيا. ففي الداخل، غلاء وفقر وحرمان من كل مقومات الحياة الكريمة والمعيشة الانسانية في ظل وضع اقتصادي مهترئ وانهيار لليرة السورية. انه الاهتراء الداخلي في مناطق نفوذ بشار الاسد وفي صلب حاضنته الشعبية حيث تتصاعد كل يوم وتيرة الغضب العارم والاحتجاجات الشعبية التي تطالبه بالرحيل لعجزه عن تحسين الاوضاع المالية، المعيشية والاقتصادية الخانقة والضاغطة. كل ذلك، يعيد مشهدية ثورة عام 2011، وقد ازداد الضغط الشعبي منذ 10 آب، وقد شكّل الشباب المنتفضون حالة تستحق المتابعة وخصوصاً أنها ولدت في مناطق نفوذ الأسد، ومحورها الشباب السوري النخبوي غير المنتمي إلى تنظيمات اسلامية متطرفة، إضافة إلى الضباط العلويين الأحرار. هؤلاء ينادون بشعارات مدنية سلمية وعلمانية، تتعلق بالإصلاح والخروج من الصراعات وتحسين الأوضاع الإقتصادية، لذلك قد يعيد الأسد الأسلوب نفسه للإطاحة بهذه الحركة في مهدها، من خلال تسهيل اختراقها من “داعش” وتيارات إسلامية وإرهابية، لأن هذا النظام لطالما اعتاش على الفوضى وتقطيع أوصال البلاد، كلما شعر بالضغط وإمكانية التخلّص منه.
أما الرعب الثاني الذي يعيشه الأسد فهو الحشود العسكرية الأميركية في شرق الفرات، وهي لم تأتِ من أجل لا شيء. ويستعد الأميركيون لضرب طريق امدادات السلاح الايراني إلى “حزب الله”، وعزل مناطق النظام السوري، وزيادة ضغط العقوبات والحصار عليه من دون التدخّل عسكرياً لإسقاطه، إنما سيتهاوى تلقائياً مع الوقت وتتحقق أهداف الشعب السوري، وخصوصاً ان روسيا المنهمكة في الحرب الأوكرانية غير قادرة على انقاذه اقتصادياً ومالياً.
أمام هذا الواقع، لن يتردد الأسد في إعادة تسهيل المهمة لتنظيم “داعش” كي يرمّم قوته، فيستخدمه اما لتوجيه ضربات للأميركيين، او لتخويف الشعب السوري المنتفض دائماً منه! وقد سجّل تزايد في عمليات “داعش” في الأيام السابقة في شرق سوريا، واللافت ان النظام السوري يتعامل مع “داعش” وفق مبدأ “عدو عدوي صديقي”، ويعمل على توظيف هذه الحالة العسكرية الشاذة في سوريا والمنطقة لصالحه. وكل عمليات “داعش” ضد النظام تكون عادة بتسهيل منه، لأنها تحصل مع كل حاجة للتأكيد ان جيش النظام لا يزال منهمكاً في معركته ضد التنظيمات الارهابية، ليقدم مبرراً لأن يصمت الداخل السوري عن اي مطالب حياتية. ولعل ما سنراه في لبنان وسوريا في المستقبل القريب هو نشاط عسكري لـ”داعش” وفق تكتيك “الذئاب المنفردة” الذي يعتمد قاعدة “اضرب واهرب بسرعة”. فـ”الحزب” والنظام السوري ليس من مصلحتهما أن يكون التنظيم متماسكاً كي لا ينقلب ويقوى عليهما، ومن غير المسموح له أن ينظّم صفوفه ويجنّد المزيد من المسلحين، وهو دائماً تحت مراقبتهما اللصيقة.
واللافت ان تحقيقات استقصائية أجراها احد المراصد السورية ذات المصداقية العالية تبيّن فيها ان هناك تواجدا و تنسيقا على مستويات عالية بين “حزب الله” مع “داعش”، بحيث يقوم “الحزب” نيابة عن الحرس الثوري بتزويد معلومات للتنظيم الإرهابي مقابل عدم اعتراض قوافل نقل وتهريب السلاح التي تجري على الأراضي السورية.
وعلى سبيل المثال، نفذت عناصر تنظيم داعش 100 عملية استهدفت فيها قوات التحالف وقوات سوريا الديمقراطية وبعض العمليات القليلة ضد قوات النظام السوري خدمة له، فيما تجنّبت استهداف “حزب الله”.
في المقابل، تعاون “داعش” مع النظام السوري كشفته عملية عسكرية اميركية جرت عام 2015، في دير الزور حيث قامت قوات كوماندوس أميركية خاصة بعملية أدت إلى مقتل المسؤول المالي الذي يدير عمليات بيع النفط في تنظيم داعش ويدعى أبو سياف، وفي تلك العملية تم الاستيلاء على آلاف الوثائق التي عثر عليها هناك. لقد كشفت هذه الوثائق حجم التعاون بين الأسد وتنظيم داعش، و كيف قام الطرفان بترتيبات نفعية متبادلة على الرغم من ادعاء كل منهما أن الهدف من حربه هو القضاء على الطرف الآخر. واستنادا إلى تحليل الوثائق، لم يعد هناك أدنى شك في تعامل الأسد مع تنظيم “داعش”.
علماً أن قصة بشار الأسد مع “داعش” تعود إلى ما قبل ذلك بكثير، وتحديداً إلى فترة بداية الثورة السورية عام 2011، وفي أعقاب بعض المظاهرات المبكرة لـ “الربيع العربي” في سوريا، بدأت الحكومة السورية بإطلاق سراح إرهابيين إسلاميين متشددين في أول سلسلة من قرارات العفو الرسمية التي أصدرتها الحكومة. فعلى سبيل المثال، شمل المرسوم رقم 61، الصادر في أيار 2011، جميع أعضاء الإخوان المسلمين وغيرهم من المعتقلين المنتمين إلى حركات سياسية. وكان التفكير المنطقي وراء إطلاق سراح الجهاديين، بالنسبة للأسد والنظام، فهو أنهم بدائل للثورة السلمية. فهم يعملون وفق عقيدة الجهاد ويخشاهم الغرب.
وناهيك عن الإفراج الاستراتيجي والمتعمد لإطلاق سراح الجهاديين من السجون السورية، امتنع نظام الأسد أيضاً بشكل متكرر عن مهاجمة مواقع تابعة لـ”داعش”، ووافق نظام الأسد والتنظيم على العديد من صفقات الإخلاء، وفي بعض الأحيان بدا أن النظام يتواطأ مع التنظيم في محاولة لتشجيعه على مهاجمة المتمردين المعتدلين بدلاً من النظام.
من جهة أخرى، لا أحد ينسى كيف منع الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله عام 2017 الجيش اللبناني من مواصلة قتاله ضد داعش في معركة “فجر الجرود” في جرود القاع وراس بعلبك، وتكفّل حزبه بتهريب مقاتلي “داعش” بباصات مكيّفة عبر سوريا من دون ان يقوم النظام السوري بالتعرض لهذه الباصات. ولا يستبعد اليوم أن يستخدم “الحزب” تنظيم “داعش” في مخيم عين الحلوة أو ربما لتخويف المسيحيين ولعب دور الحامي لمناطقهم وارزاقهم ومعابدهم من “داعش”.
لا شيء يدعو إلى الاستغراب، لأن “حزب الله” المأزوم، يمكن أن يستعين بشياطين الأرض ليبرر الحاجة إلى سلاحه والدفاع عن فكرة “المقاومة” التي تستمر بجر الويلات إلى لبنان، ونأمل أن لا يكون عنوان الخريف المقبل “عودة داعش”!

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: