دريان امام البابا: أُرحّب بضيف لبنان الكبير

daryan 2

القى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان كلمة في اللقاء الإسلاميّ المسيحي، بحضور بابا الفاتيكان لاوون الرابع عشر في ساحة الشهداء قال فيها:

" بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ ربِ العالمين ، والصلاةُ والسلامُ على أنبياءِ ورسلِ اللهِ أجمعين، وعلى سيِّدِنا محمدٍ خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين ، وعلى آلهِ وأصحابِه أجمعين.

وبعد :

فإنّه لَمِن دواعي سُرورِنا أن نكونَ في استقبالِ بابا الفاتيكان لاوُون الرابعَ عَشَر الذي يزورُ لبنان بلدَ التَّعايُش والتَّعَدُّدِ الطَّائفيّ المتنوُّعُ ، وهو غِنىً وإثراءٌ لإنسانيةِ الإنسان ، واعتبارُ المواطَنةِ أساساً في تحديدِ الحقوقِ والواجبات على حدٍّ سَوَاء ، ومِن دونِ أيِّ تمييز. وفي لبنان نؤكِّدُ دائماً ثوابِتَنَا الوطنيةَ، في قِمَمِنا الرُّوحية ، ونَحتَرِمُ الحُرِّيَّاتِ الدِّينيَّةَ وحقوقَ الإنسان ، كأساسٍ للعيشِ المُشتركِ في مُجتمعِاتِنا المتنوِّعَةِ والمُتَعَدِّدة ، ولا نِتدِخَّلُ في الخصوصِيَّات ، فبلدُنا لبنان يَحمي دُستورُه حقَّ الطَّوائفِ في مُمارسةِ شرائعِها ، مِصداقاً لقولِه تعالى: ﴿لكلٍّ جعَلْنا مِنكُمْ شِرعَةً وَمِنهاجاً﴾.
الإسلامُ هو المَسِيرَةُ الإيمانيَّةُ بِاللهِ الوَاحِد ، مِن آدمَ إلى نوحٍ وإبراهيم ، إلى موسى وعيسى ، وانتهاءً بمحمد ، عليهم جميعاً صلواتُ اللهِ وسلامُه.

وقد قال اللهُ تعالى في مُحكمِ تَنزِيلِه: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ، وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ .

ونستذكر هنا ما أمرَ به رسولُ اللهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ الذينَ لا يَستطيعون الدِّفاعَ عَنْ أنفُسِهِمْ مِنَ المُؤمنين، بالهِجرةِ إلى الحَبَشَة  ، وقال لهم : (إنَّ فيها مَلِكاً لا يُظلَمُ عِندَهُ أَحَد) . وخَشِيَتْ قُريشٌ أنْ تَنتَشِرَ الدَّعوَةُ بهذهِ الطَّريقةِ خارِجَ مَكّة، فأرسَلتْ رُسُلَهَا إلى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الحَبَشةِ المَسِيحي ، لِيَطرُدَ المُسْلِمينَ مِنْ عِندِه ، وقد زَعَمَ رَسُولا قُريشٍ أنَّ هؤلاءِ اللاجئينَ عِندَه ، والطَّالبينَ حِمَايَتَه ، والعَيشَ مُؤَقَّتاً في جِوَارِه ، هُمْ ضِدُّ دَعوةِ عيسى عليهِ السَّلام ، فقرأَ جَعفرُ بْنُ أبي طَالِب، اِبْنُ عَمِّ النبيِّ على المَلِكِ صَدْرَاً مِنْ سُورةِ مريم ، فتأثَّرَ النَّجَاشِيُّ وقال: (إنَّ هذا ، ومَا أَتَى بِه عيسى ، لَيَخرُجُ مِنْ مِشكاةٍ واحدة) . وأبى أنْ يَطرُدَ الآتِينَ إليهِ ، هَرَبَاً مِنَ الاضْطِهادِ بِسَبَبِ إيمانِهم ، وأصبحَ المسيحيون في أرضِ الحبشةِ، أولَ أصدقاءِ الدَّعوةِ الجَدِيدَة ، وأوَّلَ أصدقاءِ أهلِها.
وإنَّ وَثيقةَ المدينةِ المُنوَّرة ، التي قامَتْ على أَساسِهَا نَوَاةُ الدَّولةِ الأُولى في الإسلام ، نَصَّتْ على أنَّ المؤمنين وغيرهم في المجتمعِ المَديني المتنوع، يُشَكِّلونَ مَعَ المسلمين (أُمَّةً وَاحِدَة)".

اضاف: "بهذِه الأُسُسٍ الإيمانِيَّة، أُرَحِّبُ بِضَيفِ لبنانَ الكبير، البابا لاوَون الرابعَ عَشَر، مُتمنِّياً له التَّوفِيقَ في قِيَادَةِ السَّفِينَةِ المَسِيحِيَّة، لِمَا فيه خَيرُ الإِنسانِيَّة ، على النَّحوِ الذي تُجَسِّدُهُ وَثِيقَةُ الأُخُوَّةِ الإِنسانِيَّةِ ، بَينَ إِمَامِ الأَزهَرِ الشَّرِيف ، الشيخ أحمد الطيّب ، والبابا الراحل فرنسيس".

وختم دريان: "إنَّ لبنانَ هو أَرضُ هذِه الرِّسَالة ، وهو رَافِعُ رَايَتِها، وَالعَامِلُ عليها ولها . ولذلك فإنَّنا ، نَعُدُّ أَنْفُسَنا مُؤتَمَنِينَ ، دِينِيّاً وأخلاقِيّاً ووطنِيّاً ، على حَملِ مَشعَلِ هذِه الرِّسَالَة ، حتَّى يَعُمَّ الأمنُ والسَّلامُ في العالَم ، وحتَّى تَسُودَ المَحبَّةُ بينَ جَميعِ الأُمَمِ والشُّعُوب".

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: