افتتح مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة قطر غانم بن شاهين بن غانم الغانم مسجد الإمام الشافعي في منطقة الصنائع في بيروت، الذي تبرع ببنائه دولة قطر وبمساهمة من أهل الخير في بيروت، بحضور ممثل رئيس الحكومة وزير الداخلية والبلديات العميد احمد الحجار والرؤساء: فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام ممثلاً بنجله صائب سلام ومفتي الجمهورية السابق الشيخ محمد رشيد قباني والسفير القطري في لبنان الشيخ سعود بن عبدالرحمن آل ثاني وأركان السفارة ووفد من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية ومفتي المناطق وقضاة الشرع وعلماء والعديد من النواب والشخصيات السياسية والدينية والاقتصادية والقضائية والعسكرية والاجتماعية والنقابية والإعلامية.
وبعد إزاحة الستارة عن اللوحة التذكارية التي تحمل اسم المسجد، قدم المفتي دريان للوزير القطري الغانم درع دار الفتوى عربون محبة وتقدير ووفاء وشكر، كما قدم للسفير سعود آل ثاني ووفد وزارة الأوقاف القطرية ميدالية دار الفتوى.
وتسلم المفتي دريان من الوزير القطري درع وزارة الاوقاف القطرية ومصحفاً كبيراً.
وقال المفتي دريان: "إنها مُناسَبةٌ اليومَ ولا كُلّ المُنَاسَبَات، هي مُناسَبَةٌ جَامِعَة، فنحن نَجتَمِعُ في هذا الحَشْدِ المُبارَك، لافتتاحِ مَسجِدِ الإِمامِ محمدِ بنِ إدريسَ الشَّافِعِيّ ، ونحن نَستَقبِلُ هذا الحَدَثَ المُهِمّ في الحياةِ الدِّينِيَّةِ للمسلمين، بحضورِ وَمُشارَكَةِ مَعالِي وَزيرِ الأوقافِ بِدولَةِ قطرَ الشقيقة، صاحِبَةِ الفَضلِ الكبير في إِقامَةِ مَوطِنِ العِبَادَةِ هذا".
أضاف: "المساجدُ في الإسلامِ، هي الصُرُوحُ الدِّينيةُ التي تُبنَى على قواعِدِ الإسلامِ والإيمان ، وتَنمُو فيها مفاهيمُ الطهارةِ والنَّقاوَةِ النفسيَّةِ والقلبية ، وتَنتَفِي خِصالُ الحِقدِ المَذمُومَة ، والحَسَدِ والكراهيَة، بل تَنْبُتُ فيها قِيَمُ المَحَبَّةِ والأُخوَّةِ والتَضَامُن ، والتَّعاونِ على فِعلِ الخيرِ، ونشرِ العِلم، وحُسْنِ التَّعامُلِ مَعَ الآخَر".
وتابع: "مُعظَمُ أَهلِ الشَّامِ- كما تَعلَمُون- هُم مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مُنذُ القَرنِ الخَامِسِ الهِجرِيّ. وَقَبلَ ذلك كانَ المَذهَبُ الأَوزَاعِيُّ هُوَ المُنتَشِر. وَلَدَينَا تَذْكَارَاتٌ وَمَعالِمُ في مُدُنِنَا لِسَائرِ الأَئمَّة، الذين خَدَمُوا الدِّين، وَخَدَمُوا العَيشَ المُشترك . ولذلك كانَ مِنَ المُستَحْسَنِ بِنَاءُ مَسجِدِ الإمامِ الشَّافِعيّ. وكما دَخَلَتِ الشَّقِيقَةُ قطر في سَائرِ المَجَالات، لِلمُسَاعَدَةِ والتَّضَامُن، فقد كان عَمَلُها بارِزاً دائماً في العملِ الخَيرِيِّ والتَّنمَوِيّ، في العَدِيدِ مِنْ قُرَى وَبَلَدَاتِ لبنان . دَولَةُ قَطَر تَمْتَلِكُ مَشرُوعاتٍ كُبرى في بلادِنا وليس مُنذُ الآن، بل تُبادِرُ في كُلِّ الجُهُودِ وَالمَسَاعِي مِن أَجلِ تَمْتِينِ عُرَى الأُخُوَّة، وَنَشْرِ الخَيرِ وَالرَّحَابَةِ وَالعُمرَانِ في بِلادِنا، وَسائرِ بِلادِ العَرَبِ والمُسلِمين. وهذا كلُّه فضلاً عَن دَورِها المُقَدَّرِ بِالأَمسِ وَاليَوم، مَعَ الأَشِقَّاءِ وَالشَّقِيقَات، في وَقْفِ الحَربِ على غَزَّة، وَإِقَامَةِ الدَّولةِ الفِلسطِينِيَّة".
وأردف: "بَدَأَ المَسعَى الجَلِيلُ لِإقَامَةِ هذا الصَّرحِ العِبَادِيِّ مُنذُ عَقدٍ وَأَكْثر. وقد وضع حجر الاساس للمسجد في عهد مفتي الجمهورية السابق محمد رشيد قباني، وها نحن اليومَ وَقَدِ ارْتَفَعَ بِنَاؤُه واكْتَمَل، نَسْتَشرِفُ بِه عَهداً جديداً في لبنانَ لِلأَمن، وَإقَاَمَةِ الدَّولَةِ الصَّالِحَة، وإِزَالَةِ العَقَبَاتِ وَالشَّوَائب، وَصُنْعِ المُستَقْبَلِ الزَّاهِرِ لِأَولادِنا، الذينَ نَرجُو لهُم زماناً أفضلَ لِلأَمنِ وَالعَدَالَةِ وَالتَّقَدُّم، وَالعَلائقِ الوَثِيقَةِ مَعَ إِخوانِنَا العَرَبِ والعَالَم".
وتابع: "إنَّ بَيتَ العِبَادَةِ وَالصَّلاحِ هذا ـ على اسْمِ إِمامِ الأَئمَّة ، العَالِمِ وَالفَقِيهْ مُحَمَّدِ بْنِ إِدريسَ الشَّافِعِيّ ، هو صَرحٌ تَحُوطُهُ البَرَكَة ، فَقدْ بُنِيَ على نِيَّةٍ طَيِّبَة ، وَقَصْدٍ لِلخَيرِ وَالفَلاح ، في هذا الثَّغْرِ مِنْ ثُغُورِ الدِّينِ وَالصَّلَاح ، وَالعَيشِ المُشتَرَك ، فهو يَشْمَخُ في حَيٍّ مِنْ أَحيَاءِ مَدِينَةِ بيروتَ الزَّاهِرَة ، التي تَحَدَّتِ المِحَنَ على سَاحِلِ المُتَوَسِّط ، مُنذُ أَقدَمِ العُصُور، نَاشِرَةً لِلخَيرِ وَالفَضِيلَة، وَصَانِعَةً أَجيالاً لِلحَضَارَةِ التي لا تَغْرُبُ شَمسُها، ولا يَنْكَفِئُ هِلالُها، وَلا يَتَوَقَّفُ عِزُّهَا".
واشار دريان إلى أنه "اليوم بِفَضلِ مَوَدَّةِ الأَشِقَّاءِ في قَطَر، وَمَسَاعِي أَهلِ الخَيرِ الآخَرِين، وَكُلِّ الخَيِّرِينَ وَالأَمَاجِد، يُضَافُ صَرحٌ إلى صُرُوحِ بَيروتَ المَحْروسَة، إلى جَانِبِ مَساجِدِ مُحَمَّدٍ الأَمِينِ ، وَالمسجدِ العُمَرِيّ الكبير، ومسجد ومقامِ الإِمَامِ الأَوزَاعِيّ. بيروتُ تَستَحِقّ، وَيَكُونُ علينا أَنْ نَفعَلَ الكَثيرَ لِكَي نَستَحِقَّهَا".
وقال: "ونحن نَفتَتِحُ هذا المَسْجِدَ في العاصمةِ بيروت، علينا أنْ نُبادِرَ بالعَودَةِ إلى اللهِ عَزَّ وجَلّ، وإلى طاعَتِهِ وَطَلَبِ رِضاه، وإلى أصالةِ الإسلام، وإلى رِسَالَةِ المَسجِدِ في الإسلام، فنَبنِيَ مَسَاجِدَنا على قواعِدِ الإِسلامِ والإيمان، التي لا تَعرِفُ حِقداً ولا كراهيَةً، بل مَحَبَّةً وأُخُوَّةً وتَضَامُناً".
أضاف: "تشهدُ البلادُ اليومَ تحَوُّلاتٍ مُهِمَّةٍ في تاريخِها، يَجبُ التَّوَقُّفُ عِندَها، والتَّمَعُّنُ في أبعادِها، أمامَنا اليومَ فُرصةٌ ثَمِينَة، تُملِي علينا إعادةَ بِناءِ وَطَنِنَا، وَتَمْتِينِ وَحْدَتِنَا، مِنْ خِلالِ تعاوُنِنَا معَ أشِقَّائنا العرب. نَحنُ في دَارِ الفَتوَى، نَتَوَسَّمُ خَيراً بِتَفْعِيلِ العَمَلِ المُؤَسَّسَاتِيّ، الذي بَدَأَ مَعَ حكومةِ الإِنقاذِ والإِصلاح، فَالتَّفَاؤُلُ يَدفَعُ بِالإنسانِ نَحوَ التَّقَدُّمِ وَالعَمَلِ وَالنَّجَاحِ، وَتَجَاوُزِ المِحَن، وَالتَّفَاؤُلُ هُوَ الإِيمانُ الذي يُؤَدِّي إلى الإنْجَاز. لا شَيءَ يُمْكِنُ أنْ يَتِمَّ دُونَ الأَمَلِ وَالثِّقَةِ بالله، وبعدَها الأملُ بِالدولةِ وَمُؤَسَّساتِها الدُّستُورِيَّة".
ورأى أن "المرحلةُ الدَّقيقةُ التي يَمُرُّ بها بلدُنا، تتطَلَّبُ وَعياً كامِلاً، وَوَطَنُنا لبنانُ أيها الإخوة، أحوَجُ ما يَكُونُ منَّا إلى اليَدِ الحانيةِ البانيَة، وإلى الكلمةِ الطَيِّبةِ، التي تُبَلسِمُ الجِراح، وتزرَعُ المَحَبَّةَ في النُّفُوس، وَتقتَلعُ البُغضَ والكَراهيةَ مِنَ الأعماق".
وختم دريان: "بِاسمِ المسلمينَ واللبنانيينَ في لبنان، نُوَجِّهُ تَحِيَّةَ شُكرٍ وَتقديرٍ واحْتِرام، لسمو أميرِ دَولةِ قطر الشيخْ تَمِيمِ بنِ حَمَد آلْ ثاني وَحُكُومَتِه، وَوَزَارَةِ الأَوقَافِ وَالشُّؤُونِ الإِسلامِيَّةِ فيها، على دَعمِهَا السَّخِيّ، لِبِنَاءِ مَسجِدِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ ، الذي سَيَكُونُ مَنَارَةً لِلعِبَادَةِ ونَشرِ العِلم، وَالوَسَطِيَّةِ والاعْتِدَال، الذي هو رِسَالَتُنا الإسلامِيَّة، وَمَنْهَجُنَا في دَارِ الفَتوَى وَمُؤَسَّسَاتِها المُتَعَاوِنَةِ مَعَ كُلِّ شَرائحِ المُجتَمَعِ اللبنانِيّ ، لِيَبقَى هذا الوَطَنُ سَيِّداً حُراً عَرَبِيّاً مُستَقِلّاً".
ثم قرأت سورة الفاتحة عن ارواح الشهداء القطريين.
وبعد ذلك، جال الحاضرون في أرجاء المسجد، مطلعين على تصاميمه والزخرفات الإسلامية التي تزين جدرانه، ثم أقيمت فيه صلاة العصر.
وكان المفتي دريان قد استقبل الوزير القطري الغانم والوفد المرافق في مطار رفيق الحريري في بيروت، واصطحبه إلى دار الفتوى حيث أقام على شرفه مأدبة غداء تكريمية قبيل افتتاح المسجد.
