بعد أن أُسدلت الستارة على الانتخابات، أطلق أمين عام حزب الله حسن نصرالله دعوة للتهدئة وخفض التوتر والتفاهم والشراكة في ضوء خسارة الحزب وحلفائه للأكثرية النيابية التي كانت بيدهم منذ انتخابات 2018 .المفاجئ في هذه الدعوة أنها أُطلقت غداة الانتخابات النيابية التي أوصلت الى البرلمان أكثرية نيابية سيادية، في سلم أولوياتها معالجة سلاح حزب الله غير الشرعي والذي كان الأمين العام قد تحدى اللبنانيين بنزعه بعبارته الشهيرة " فشروا " في خطابه بتاريخ 9 أيار الماضي .فبين " فشروا " والدعوة المتجددة للتهدئة والتفاهم والشراكة بَوْن شاسع لا ندري كيف يمكن للسيد نصرالله التوفيق بينهما لإضفاء المصداقية والإيجابية على دعوته الأخيرة.وكأن السيد حسن نصرالله عندما يدعو للحوار والتفاهم والشراكة إنما يتغافل عن حقيقة أن مشكلة المشكلات بالنسبة لأكثرية اللبنانيين هي سلاح حزبه بالذات، وهو الموضوع الذي يجب أن يقبل السيد حسن بمناقشته مع اللبنانيين والتفاهم عليه معهم بالدرجة الأولى .
ولا نخال أمين عام حزب الله يجهل أن موضوع السلاح هو "أم المواضيع" لأنه حول تحديد مصيره يتوقف وجود أو عدم وجود بلد، فلا يمكن أن يكون ملف السلاح من المواضيع الثانوية أو التي يمكن وضعها جانباً من بين مواضيع خلافية أخرى، فيما السلاح هو الموضوع الأساسي الذي من دونه لا نقاش في أي موضوع آخر لأنه الباب الذي من خلاله يمكن الولوج الصحيح والفعال الى باقي الملفات والمواضيع الوطنية الملحة .هل بإمكان السيد حسن نصرالله وحزبه التعاون والتفاهم والشراكة مع القوات اللبنانية التي باتت اليوم أكبر كتلة نيابية بالتمثيل المسيحي وهو الذي بتاريخ 18 تشرين الأول 2021 هددها بمئة ألف مقاتل ودعاها للتأدب ... وقد كان حزبه وحركة أمل المعتدين على عين الرمانة والطيونة؟فبإقرار السيد حسن، أدان نفسه بنفسه عندما كشف النقاب عن وجود مئة ألف مقاتل تحت إمرته من اللبنانيين تحديداً من دون الحديث عن غير اللبنانيين، ومع ذلك يأتي بعد الانتخابات بلغة التطمين والحوار والتفاهم والشراكة، واضعاً جانباً ما هدد به خصومه وكاشفاً عن قدرته العسكرية كدويلة ضمن الدولة وكأن الامر ثانوياً ويمكن وضعه جانباً.
هل يعتبر حزب الله أن موضوع تورطه في اليمن لدعم الحوثي موضوع ثانوي؟
وهل يعتبر أن تجارة المخدرات وتهريبها الى الدول العربية موضوع ثانوي؟
هل أن استضافة ما يسمى بالمعارضة البحرينية في بيروت ودعمها موضوع ثانوي؟
هل يجب أن نعتبر أن سياسة الحزب الخارجية المستقلة عن سياسة الدولة اللبنانية أمراً عادياً وثانونياً ؟
هل يمكن أن نعتبر هجوم الحزب الدائم على الدول العربية والخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية أمراً ثانوياً؟هل يمكن أن نعتبر مصادرة الحزب للقرارات السيادية اللبنانية أمراً ثانوياً ؟
هل يمكن أن نعتبر إحجام العالم عن مساعدة لبنان للنهوض الاقتصادي والمالي والمعيشي بسبب سلاح حزب الله ومواقف حزب الله وسياساته وسيطرته على مفاصل الدولة أمرا ثانوياً ؟فاذا كانت كل هذه الأمور "ثانوية" بالنسبة لحزب الله يمكن وضعها جانبا، فأين هي اذا الأمور الأساسية وما هي؟
كيف يمكن التعاون والتفاهم اذا كان الحزب يصادر الشروط الأساسية لقيام الدولة ؟
سلاح غير شرعي،سياسة خارجية خاصة بالحزب،تجارة غير شرعية،معابر غير شرعية،سياسة دفاعية خاصة بالحزب.فعلى ماذا يريد السيد حسن نصرالله التفاهم والشراكة اذا كانت كل الملفات الأساسية الواجب معالجتها غير ذي أهمية بالنسبة اليه ويمكن وضعها جانباً ؟؟؟
والأدهى أن الأمين العام يتهم خصومه زوراً وبطلاناً بالمال الانتخابي وتدخّل السفيرين الأميركي والسعودي، و بتوزيع الأموال وتركيب اللوائح، سائلاً ومقارناً عن غياب أي ظهور أو دور للسفارة الإيرانية في بيروت، ومتناسياً ما قاله من فمه في ذاك الخطاب الشهير من أن ميزانية حزب الله ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران، مردفاً بأنه طالما في إيران فلوس فإن في الحزب فلوس ...
فهل تحتاج طهران بعد هذا لتدخل سفارتها في لبنان بالانتخابات ؟؟؟ وحزب الله نفسه سفارتها ودويلتها داخل الدولة اللبنانية .
فعن أي دعوة للتفاهم والهدوء والشراكة يتكلم أمين عام حزب الله بعد كل هذا ؟
اذا أراد الحزب حقيقةً الشراكة والحوار والتفاهم فما عليه الا أن يقبل الجلوس على طاولة البحث في سلاحه وفي تقوية الدولة اللبنانية ووقف التورط في الإقليم، والا فإننا ذاهبون الى مواجهة كبرى لأننا لن نقبل بأن نكون عراقاً ثانياً.