رحلة أميركا اللبنانية في الرهان على رجال الدولة

WhatsApp Image 2025-07-23 at 18.10.58_47a2a26c

وسط مشهد سياسي لبناني مأزوم يفتقد إلى المرجعيات الواضحة، تبرز زيارة الموفد الرئاسي الأميركي إلى سوريا، توم برّاك، إلى منزل النائب فؤاد مخزومي كحدث يتجاوز الطابع البروتوكولي. فحين تختار واشنطن أن تلتقي مخزومي، وفي هذا التوقيت تحديداً، فهي تضع إشارات دقيقة حول مَن ترى فيهم شريكاً محتملاً على طريق بناء الدولة والإصلاح.

الاختيار لم يكن عشوائياً. برّاك لم يزر فقط نائباً بيروتياً له حضوره النيابي، بل توجّه إلى عنوان بات يمثّل بالنسبة لواشنطن رهاناً داخلياً على خطاب لبناني واضح، بعيد عن المناورات والمساومات. فؤاد مخزومي، بصراحته وشفافيته، وبثباته على ثوابت السيادة والإصلاح، شكّل حالة مختلفة في المشهد اللبناني، وخصوصاً داخل الساحة السنية التي عانت تهميشاً وتشويشاً في السنوات الأخيرة. اللقاء كان بمثابة تأكيد دولي على أنّ هذا الخط السياسي، المتماسك في خطابه والواقعي في طروحاته، هو منسجم تماماً مع ما يريده المجتمع الدولي للبنان.

ولعل الرسالة الأبرز التي حملها هذا اللقاء هي أنّ واشنطن لم تعد معنية بمن يرقص بين الكلمات، أو يهرب من مسؤولية القرار. هي تريد شركاء لا يكتفون بالتشخيص، بل يمتلكون الإرادة في السير بخطوات فعلية نحو إعادة تكوين الدولة واستعادة المؤسسات. والمخزومي، بشبكة علاقاته الدولية، وبدوره في تسهيل ولادة حكومة نواف سلام، أثبت  موثوقيته والتزامه بلبنان الدولة.

لكن ما هو لافت أيضاً في هذه الزيارة، هو شكلها ومضمونها معاً. شكل اللقاء أشبه بمنتدى سيادي مصغّر، حضره وزراء ونواب وممثلون عن كتل نيابية، بما يؤشر إلى إعادة اصطفاف قوى تؤمن بأن الدولة ليست وهماً، بل خيار سياسي يمكن الدفاع عنه والعمل لأجله.

أما مضمون اللقاء، فقد تراوح بين الكلام المعلن والكلام المحجوب. ثمة ما لا يُقال في العلن، لكن كل الحاضرين خرجوا بانطباع واحد: الأميركيون ليسوا في مزاج سماح دائم. هم الآن في مرحلة الحسم، ويبحثون عن وجوه تحمل وضوحاً في الرؤية وجرأة في اتخاذ الموقف.

زيارة برّاك إلى دارة مخزومي ليست حدثاً عابراً في سجلّ اللقاءات، بل لحظة مفصلية في رسم معادلات الداخل اللبناني. لحظة تعكس بوضوح كيف تقرأ العواصم المؤثرة الواقع، وكيف تختار الرهان على من يشبه منطقها.

فهل تُلتقط هذه الإشارة – العابرة للقارات – في الزمن المناسب؟ أم تضاف إلى سجلّ الفرص الضائعة في لبنان.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: