مدونة لافتة، تكتبت الإعلامية ريما عساف عن تجربتها مع الإصابة بالكورونا ورحلة العلاج التي بدأت في مستشفى البترون، فقالت:
ينقطع النفس تشعر فعلاً أنك على آخر نفس تنتظر الموت.. يسارع فريق طبي وتمريضي في مستشفى لبناني متواضع مستشفى البترون.. يضعونك على الكرسي المتحرك، يهرولون في الرواق يفتحون باب قسم كورونا وتدخل الى مكان أشبه بالمهجور، يدخلونك الى غرفة تختصر ترهّل الواقع، فتلاحظ إنهيار لبنان في غرفة، في اللحظة الأولى تقطع الأمل، تسمع من حولك إتصالات أقارب وأصدقاء ومحبين تتوالى بالعشرات بضرورة الانتقال الى مستشفيات بيروت، يزيد القلق، أبقى هنا أم أنتقل الى كبريات مستشفيات العاصمة...؟ قلبي يقول أريد أن أبقى هنا في البترون، شيء بداخلي كان يصرّ على ذلك رغم أن المنطق الظاهر يأخذك حكماً نحو الخيارات الأخرى.
كنتُ على حق، الكورونا تقتل معنوياً فتقتل جسدياً، كانوا بجانبي طبياً، مدّوني بالعلاج المطلوب سريعاً ولكن قلبهم وصلني قبل العلاج... والله شعرت بهم في أكثر اللحظات رعباً.. وصلني حبهم ورغبتهم الشديدة بأن أعيش... فكانت لحظات الوصل مع خيط الأمل. هم ليسوا أهلي ولا أقاربي ولا أصدقائي، هم قلب مع العقل يعمل ويتحدى ليمدّك بالنفس.. وكفى.
تمضي أيام في المستشفى فتكتشف وتُصدم، تكتشف كم غريب أمر هذا الفريق وشديد الروعة، أشخاص يضخّون فيك كل الحياة والقوة ثم تدرك أنهم يعيشون نصف حياة أو ربما هم لا يعيشون.. كاد يمضي نصف الشهر وهم لم يتقاضوا معاشاتهم ولكنهم يبتسمون، كيف يعيشون هم؟! من يمدهم بالأوكسيجين ليكملوا مع عائلاتهم؟! من أين يأتي هؤلاء الناس بكل هذه الطاقة الإيجابية.. من أين يأتون بكل هذا الحب فيما كل شيء من حولهم منهار.. تصمت تفكّر تخجل تسأل نفسك، ماذا فعلنا نحن لهؤلاء، لا شيء.. معقول؟!
تتعافى شيئاً فشيئاّ، تشعر أنك مدين لهم بحياة كاملة، تسألهم بالله عليكم كيف يمكن أن نشكر أن نساعد، يردّون نقوم بواجبنا.. ولكن أحداً لم يقم بالواجب تجاهكم كما تستحقون.. يبتسمون ويكملون، يحبّون فقط يحبّون ويعملون.. فنعيش وننتصر.. ننتصر بفضلهم ومجاناً، فهل هذا بالأمر القليل؟!!..
هم مثل غيرهم كثيرين في لبنان وفي مجالات مختلفة يكملون بالقوة بالتحدي بالحب بالأمل بالكفاح ومقارعة كل أشكال اليأس.. الوجهة في المرحلة المقبلة يجب أن تكون صوبهم والإهتمام نحوهم والأضواء عليهم.. وحدهم قادرون على تعميم دروس الإنقاذ من عز الموت... وكل في مجاله... لنلتفت الى هؤلاء ونحوّل الإهتمام نحو الطاقات الإستثنائية تلك.
هذه هي الثروة الحقيقية، وهنا الكنز البشري العصي على السلب والنهب في لبنان. صدّقوني، بهذا الكنز قادرون على مواجهة الإنهيارات بأنواعها، فلنبني على هؤلاء الناس بكل المجالات.. ومهمتنا كرأي عام ومؤثرين في الرأي العام وإعلام ومؤسسات وغيرها أن نبدأ معركة الإنقاذ من هنا... فلنذهب الى هؤلاء نستمع اليهم، نراقبهم، نتابعهم، نخطط معهم، نتساعد في ورشة إنقاذ حقيقية وممكنة ومضمونة النجاح، ورشة يجب أن تبدأ اليوم قبل الغد.. من تجربتي صرت متأكدة أننا أضعنا الكثير من الوقت والجهد في غير محله ولذلك خسرنا، غرقنا في مستنقع نضيّع فيه أوقاتاّ اضافية لتحديد أجناس المسؤوليات رغم أهميتها، فيما الأولوية اليوم تلمّس طاقة الإنقاذ والبناء على هذا الضوء.
الأمل موجود والخلاص ممكن والطريق يبدأ من هنا، فلا تضيعوا البوصلة... هذه رسالتي.
