زيارة البابا إلى لبنان فرصة سياسيّة ضائعة؟

83708225007-20250518-t-101747-z-2015472205-rc-2-akea-5-iik-1-rtrmadp-3-popeleo-rbz0aucfnf3iw8kklb674sxdb53soazc1tho7xvfa8

كتبت ديزي حوّاط في صحيفة "نداء الوطن":

تأتي زيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان في لحظة سياسية وأمنية شديدة الحساسية، تحمل بطبيعتها دلالات روحية كبيرة، لكنها لا تنفصل أيضًا عن السياق السياسي.

في هذا الإطار، يلفت الباحث والمحاضر في علم التاريخ الدكتور إيلي الياس إلى أن الزيارة "تحمل بلا شكّ رمزية كنسية وروحية عالية، لكنها في الوقت نفسه تأتي فوق أرضٍ مثقلة بحرب مستمرّة منذ سنتين بين إسرائيل و"حزب الله"، دفع ثمنها الشعب اللبناني والأراضي اللبنانية، من تعديات إسرائيلية وتدمير للبنى التحتية والأبنية السكنية وسقوط ضحايا".

يشير الياس إلى أن "هذه الحرب، ومع نهاية سنتها الأولى، فتحت نافذة سياسية عبر "ضغط أميركي على الإدارة السابقة لإعطاء لبنان فرصة جديدة، تجسّدت بانتخاب جوزاف عون رئيسًا للجمهورية وتشكيل حكومة نواف سلام". ويوضح: "خطوة كان يُفترض أن تُستكمل بخطوة جوهرية: حصر السلاح غير الشرعي بيد الدولة، وسيطرة الجيش اللبناني فعليًا على جنوب الليطاني وشماله، وتطبيق القرار 1701". وهي، بحسب إلياس، شروط "لمصلحة لبنان قبل أي طرف آخر، وكان يجب تطبيقها منذ اتفاق الطائف عام 1989".

لكن الواقع اليوم يعكس مسارًا مختلفًا. إذ يؤكد الياس أن "سنة كاملة مرّت من التلكؤ في تنفيذ هذه البنود"، معتبرًا أن زيارة البابا كان يُفترض أن تكون "تتويجًا لمسار إنقاذي"، إلّا أن ما يحصل "يسير في اتجاه سلبي، وكأن الزيارة تأتي لتكرّس واقع عدم التنفيذ". ويشدّد على أن الظروف الحالية "لا يمكن مقارنتها بزيارة الباباوين السابقين"، فالزيارة الأولى للبابا يوحنا بولس الثاني جاءت تحت وطأة الاحتلال السوري و"شكّلت دفعًا معنويًا للبنان لاستكمال مسيرته نحو الخروج من الاحتلال، فيما زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر تزامنت مع تحولات إقليمية كبرى تحت مسمّى "الربيع العربي" واندلاع الثورة في سوريا".

لبنان اليوم لم ينتهز الفرصة، ولا يزال "دون دولة فعلية"، وبحسب الياس "الزيارة سوف تحمل بالتأكيد أهمية كنسية كبرى، خصوصًا للشباب المسيحي في لبنان والشرق الأوسط، لكنها سياسيًا لن تترك أثرًا تاريخيًا يمكن البناء عليه".

على خطّ آخر، تبدو الدولة اللبنانية منكبّة على الاستعدادات للزيارة. إذ بات واضحًا للكثيرين أن "الساعة اللبنانية مضبوطة على توقيت زيارة البابا". أعمال تزفيت واسعة، تجهيزات لوجستية، تحضيرات رسمية مكثفة من خلال لجنة وطنية تترأسها السيّدة الأولى نعمت عون، تسجيل عبر الرعايا لحضور القداديس، وإعلان عطلة رسمية ليومين.

لا يمكن إغفال حجم الورشة التي تشهدها وزارة الأشغال في الأيام التي تسبق زيارة البابا. حركة لافتة تمتد من جونيه إلى بكركي وحريصا، مرورًا بجلّ الديب ودير الصليب، ووصولًا إلى عنايا ومار شربل، قبل أن تُختتم في البيال حيث يقام الاحتفال المركزي.

إذا كانت الدولة قد أولت الجانب اللوجستي اهتمامًا واضحًا، فإن الصورة على المستوى الأمني والسياسي لا تزال غامضة. فلا يُعرف بعد ما إذا كانت هناك ترتيبات أو تحضيرات لضبط الحدود الجنوبية في ظل التعديات الإسرائيلية المتواصلة. فزيارة البابا الداعية للسلام، هل تتحوّل إلى سلام ملموس على حدود لبنان؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: