كتب جورج أبو صعب
دخل لبنان منذ انسحاب الجيش الأميركي في أفغانستان والذي احرج ايران سياسيا واستراتيجيا وعرقيا وجغرافيا وتراجع الوجود الإيراني السياسي في الانتخابات العراقية الأخيرة واتفاق بوتين – بينيت على الية ضرب الوجود الإيراني في سوريا وتصاعد التوتر في اليمن لمحاولة الحوثيين تحقيق انتصار استراتيجي على المملكة العربية السعودية – واتفاق واشنطن وتل ابيب على خطة "ب" عسكرية لضرب المنشآت النووية الإيرانية كبديل عن طاولة فيينا المتعثرة بفعل التعنت الإيراني – مرحلة خطيرة وقد تكون الأخطر منذ العام 2011 .
فلبنان الذي نجح نسبيا طوال الحرب السورية في الناي بنفسه ولو بالحد الأدنى المقبول – ومنعت التسوية الرئاسية يومها الى حد ما انتقال شرارات تلك الحرب الى الداخل اللبناني – حيث كان حزب الله منهمكا بحربه في سوريا ومعاركه الإقليمية لصالح الاجندة الإيرانية – تاركا إدارة الساحة اللبنانية الداخلية للرئيس نبيه بري – اصبح اليوم الساحة المباشرة للصراع الإقليمي لا سيما بين ايران والمملكة العربية السعودية ودول الخليج .
فما تشهده الساحة اللبنانية حاليا من توتر متصاعد وتجاذبات سياسية واصطفافات خطيرة– ترجمت على الأرض بتوترات امنية على درجة كبيرة من الخطورة – مع احداث الطيونة – عين الرمانة الأخيرة – وتصاعد الهجمة على المحقق العدلي في ملف جريمة انفجار المرفأ – وصولا الى تصاريح وزير الاعلام جورج قرداحي الأخيرة لتزيد من زعزعة الوضع الداخلي الهش وتطرح اكثر من علامة استفهام حول مصير البلد – وقد تراكمت على مر السنوات المواقف العدائية لحزب الله القابض على مفاصل الدول اللبنانية وقرارها السيادي - ضد المملكة ودول الخليج بما أدى وبعد فشل المحاولات الصورية للدولة – الى افاضة كأس الصبر الخليجي – وحصل ما هو حاصل الان من تداعيات لم يعد بإمكان لبنان واللبنانيين تحملها .
لذلك بات من الواضح والجلي ان ثمة حقائق اصبح من الواجب على كل لبناني سيادي شريف مواجهتها :
الحقيقة الأولى : ان لبنان المختطف من محور ايران – حزب الله – الأسد – لم يعد بمقدوره التعايش مع فكرة دولتين في دولة : وبات على اللبنانيين الخيار المفروض عليهم بين الاستمرار في الانهيار والاضمحلال بفعل وجود دولتين او رفض الاستمرار في هذا النهج الكارثي ومقاومته بشتى الوسائل والأساليب الشرعية والقانونية المشروعة لاستعادة الدولة وتحريرها كما قال سابقا غبطة البطريرك الراعي .
وهنا نشير الى انه لم يعد ينفع التزام بعض المكونات اللبنانية كالمكون السني والدرزي وقسم من الشيعة بالسكوت والنأي بنفسهم عن مواجهة مشروع ايران في لبنان لان السكوت وتجنب المواجهة ان استمر سيعزز فرص الحزب في استكمال سيطرته على البلاد ومقدراتها .
لذلك لا بد لهذه المكونات من الخروج من قوقعتها وانغلاقها على ذاتها ان ارادت تحرير الدولة والبلاد ونفسها من المنحى الانحداري الذي يفرضه النهج الإيراني التسلطي على الدولة .
التسوية سقطت ومعها سقط أي مبرر للمهادنة والخنوع والناي بالنفس – فنحن امام معادلة تبتلع مل يوم شيئا من لبنان وتقضم رويدا رويدا ما تبقى من سيادة وكرامة وطنية .
الحقيقة الثانية : اننا امام سلطة من راس الهرم الى اسفله – سلمت لبنان لإيران ومحورها عبر حزب الله – في مقابل بعض المكاسب والمصالح والمكتسبات الذاتية او الفئوية او الحزبية – وفق معادلة تغطية الفساد في مقابل تغطية السلاح . فقد ان الأوان لقلب الطاولة على مثل هذه السلطة – خاصة بعدما بات جليا اشتداد قبضة حزب السلاح على الوضعين السياسي والأمني – ومحاولته فرض نموذج جديد من النظام الأمني الاستبدادي بحق الاحرار والسياديين كما هو حاصل مع موقوفي منطقة عين الرمانة المعتدى عليهم والتصويب الباطل على القوات اللبنانية – كونها ورئيسها من بين الحصون الأخيرة للدفاع عن السيادة والدولة والحقيقة .
الحقيقة الثالثة : ان لبنان متجه نحو انقلاب كبير في المشهد والنظام ممن يسيطرون على مقدراته – ويتحكمون بقراراته ومصيره – ما يتطلب من كل مواطن شريف اتخاذ الموقف المناسب – فلبنان الذي عرفناه منذ الاستقلال يكاد ينتهي اليوم والمعضلة اننا في الوسط بين انتهاء النموذج السابق وعدم وضوح ملامح النموذج الجديد – ما يسمح لللاعبين والمتلاعبين بمصير الناس – كل لجهته ولصالحه – بتجميع اكبر قدر من الأوراق لفرض شروطه على الاخرين بالقوة اذا لزمهم الامر .
الحقيقة الرابعة : ان الازمة اللبنانية – الخليجية حاليا هي قبل كل شيىء انعكاس لازمة لبنان مع ذاته – ازمة لبنان مع كيانه وهويته الاصيلة - مع قناعاته مع ثوابته التاريخية مع حضارته الثقافية ودوره في المنطقة .
فالازمة لم تكن لتندلع لو في لبنان دولة وسلطة تؤمنان بالعرب والانتماء العربي والتضامن العربي – والازمة لم تكن لتندلع لو ان لبنان عرف كيف يحافظ على عروبته وهو من مؤسسيها التاريخيين – ولم تكن لتندلع لو لم يكن الحكم حليفا للمشروع الإيراني الممانع – ضد العرب والعروبة … لما كانت لتندلع لو استمر بالنأي بنفسه من الصراعات الإقليمية اقله .
الحقيقة الخامسة : ان الصدام في لبنان حاليا هو بين مشروعين : مشروع الدولة السيدة الحرة المستقلة المحتضنة من اشقائها العرب والخليجيين حيث الازدهار والانفتاح على العالم ودور لبنان منارة الشرق – ومشروع الدويلة الإيرانية العبثية المبنية على الدم والدمار والالتحاق والالحاق بمحور إقليمي مأزوم والتقوقع بين دمشق وطهران .
انه الصراع الحقيقي في مراحله الأصعب …
لبنان الذي وصل الى قعر جهنم امام ساعة الحقيقة الصعبة … وعلى اللبنانيين الخيار … ان تمت الانتخابات في مواعيدها فليكن الخيار ديمقراطي وان لم تتم لالف سبب وسبب وتطور وتطور فالخيارات الاخرى للتغيير تبقى مفتوحة ومباحة شرط توحد القوة التغييرية والسيادية … فاللحظة لم تعد للترف , والخطر داهم وجسيم …