كتب جورج العاقوري في صحيفة “نداء الوطن”:
منذ الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في 25 أيار 2000 وإعلان هذا التاريخ “عيد المقاومة والتحرير” واحتفال “حزب الله” به سنوياً، انتفت مهمّة المقاومة التي كان يتمترس خلفها للحفاظ على سلاحه. فمجرّد الاحتفال هو إقرار ضمني بارتضائه معالجة مسألة مزارع شبعا والغجر وتلال كفرشوبا بالأطر الدبلوماسية والسياسية لا العسكرية.
خير دليل أن “الحزب” لم يحرّر شبراً واحداً منذ ذلك الحين. حتى إنّ ضمّ إسرائيل لشمال الغجر عام 2023 قوبل من قبل “الحزب” بنصب خيمتين فقط. ولتبرير حفاظه على سلاحه بعد التحرير ادعى “الحزب” أنه “قوة ردع” تحمي لبنان من الأطماع الإسرائيلية. راح يبجّل سلاحه ويقدّسه حتى بلغ الأمر بأمينه العام الراحل السيد نصرالله في 8 ايار 2008 للتهديد بأن “اليد التي تمتد إلى سلاح المقاومة سنقطعها” بعدما غزا بيروت وبعض المناطق وسقط في فخ استخدام سلاحه في الداخل.
كل سردية الردع سقطت بالضربة القاضية اليوم وأضحى المئة ألف مقاتل مع مئة الف صاروخ الذين لطالما لوّح نصرّالله بهم من دون جدوى عملياً لأنهم لم يردعوا إسرائيل عن تنفيذ ضرباتها الدموية على مساحة الـ10452 كلم2. لقد تحوّل كل لبنان جبهة أمامية من الهرمل وعكار مروراً بجبل لبنان وبيروت وصولاً إلى الجنوب.
أثبتت الوقائع أن “الحزب” ليس قوة ردع بل هو مستنسخ بممارسته عن “قوات الردع” التي دخلت عربية عام 1976 وانتهت سورية مع انتهاء العام 1979. حينها تفرّد حافظ الأسد بالحضور عسكرياً بعدما غلّف احتلاله العسكري للبنان بستار قوات الردع. هكذا “الحزب” الذي شكّل النتاج البكر لتصدير الثورة أبصر النور مع وصول الحرس الثوري إلى بعلبك عام 1982، غلّف ارتباطه العضوي بالجمهورية الإسلامية بستار أنه فصيل مقاوم لإسرائيل. بدوره، تفرّد تدريجياً بورقة المقاومة بعدما روّض باقي الفصائل من جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية “جمّول” وصولاً إلى حركة “أمل” بالمواجهات العسكرية والاغتيالات. فانتهوا بشكل أو بآخر “عدة الشغل” لديه كما كان كثر “عدّة الشغل” لدى عنجر. مارس السوري فائض القوة وعنجهية السلاح وراح يفصّل السياسات في لبنان على مقاس مصالحه.
بلغ “جنون العظمة” ببشار الأسد في صيف 2004 حدّ تحدي المجتمع الدولي والإصرار على التمديد لرئيس الجمهورية يومها إميل لحود رغم أن لديه مروحة واسعة من الموالين له الذين بإمكانه إيصال أحد منهم إلى بعبدا. راح يتخبّط بمكابرته إلى أن أرغم على الإنسحاب من لبنان في 26 أيار 2005، فاستلم “الحزب” الدفّة عنه ويكابر أيضاً منذ 8 أكتوبر 2023 للدخول في أوج الحرب بدءاً من 23/9/2024 مصرّاً على ربط مصير لبنان بمصير غزة والتمسك بنغمة “وحدة الساحة”. وغداً لا محال سيجبر على الانسحاب من المشهد العسكري ويقطف ثمار هذه المكابرة.