كتب المحرّر القضائي
يتنقّل قطاع الاتصالات في لبنان، ومنذ سنوات، من ورطة فضائحية الى أخرى سنداً الى "فساد موروث" حوّلَ قطاعاً رافداً لخزينة الدولة بإيرادات وازنة الى مزراب مثقوب بفجوة واسعة لهدر المال العام.
آخر تجلّيات هذا الفساد هو ما أقدمَ عليه وزير الإتصالات في حكومة تصريف الأعمال جوني القرم الذي قرّر أن "يكحّل" المخالفات المرتكبة في مرسوم تعديل التعرفة الشهير بنفحة "طوباوية فعمَاها"، وذلك عندما أعلن أن زيادة تعرفة رسوم الخدمات الهاتفية والإنترنت وخدمات الخطوط التأجيرية والشبكة الإفتراضية عبر شبكة الألياف البصرية والشبكات النحاسية واللاسلكية للأفراد والمؤسسات التجارية وخدمات الجملة للشركات المرخص لها تزويد خدمات إنترنت ونقل معلومات، هي كلها بهدف حماية استمرارية قطاع الإتصالات من الإنهيار و حتى الإغلاق، وفق معادلة هجينة لتغطية " دولرة التعرفة والرسوم" على قاعدة" اذا ارتفع سعر صرف المنصة يزيد مدخول القطاع، واذا انخفض يتقلص هذا المدخول".
إعادة تسليط الضوء على قطاع مهترىء ومنهوب جاء على خلفية التقرير الذي أعدّته الغرفة الرابعة في ديوان المحاسبة برئاسة القاضية نيللي أبي يونس وعضوية المستشارتين القاضيتين نجوى الخوري ورانية اللقيس، تقرير " ما خَلّا سِتر مغطّى" على المخالفات المرتكبَة لاسيما الجزائية منها، بدءاً من الفوضى وعدم الوضوح الذي يكتنف المرسوم وصولاً الى خلوّه من خطة إصلاحية شاملة، والتأكيد على ارتكاب جرائم موصوفة لها طابع جزائي.
التقرير وثّق عشرات المخالفات في هيئة أوجيرو ووزارة الإتصالات، ما شكّل دليلاً وإدانةً شاملة للقيّمين على القطاع من رأس الهرم " ونزول" عندما تحدث عن عدم قانونية العديد من جوانب المرسوم الذي حمّل المواطنين كلفة باهظة مقابل خدمة سيئة، والأنكى أنه قطعَ التواصل بين الناس أو ما يُعرف بالمصطلح التقني " التشبيك".
القاضيات الثلاث قمن بتشريح المرسوم وتفنيد مخالفاته التي لا يتّسع هذا المقال لتعدادها، لكن هذا التشريح يصف آلية السرقة التي تعرّض لها اللبنانيون في أرصدتهم من " الليلرة" ثم إعادة " الدولرة" على سعر منصة صيرفة.
تقرير ديوان المحاسبة أشار الى صيغ ملتبسة وتجاوزات كارثية وردت في متن المرسوم أقدم عليها وزراء الإتصالات المتعاقبون، وهو ما أطلع عليه مجلس النواب وهيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل، من دون أن يغفل التقرير الإشارة الى الهيئة الناظمة للقطاع، ليخلص الى وجوب التقيّد بالتوصيات الواردة فيه والتي يمكن إيجازها بوجوب المضي في اتخاذ الخطوات الإصلاحية اللازمة لتفعيل القطاع".
بالمحصلة، ما يمكن استنتاجه من تقرير ديوان المحاسبة أن مرسوم رفع التعرفة هو قرار اعتباطي لغاية في نفس " القرم" الذي قَبِل بتبنّي مرسوم يتضمن زيادات عشوائية لا يجوز لوزارته على الإطلاق أن تبادر الى اتخاذها لتزيد بالتالي الأعباء على كاهل المواطن قبل استنفاد كل الطرق القانونية الآيلة الى استعادة المال المنهوب، هذا المال الذي يكفي لسنوات وسنوات لدفع كل الأكلاف والأعباء، بحسب ديوان المحاسبة…وقاضياته الثلاث الشُجاعات….والبحث يطول ويطول.