أقام رئيس مجلس الوزراء نواف سلام عشاءً في السراي الحكومي مساء اليوم الاربعاء على شرف المشاركين في اختتام مؤتمر "بيروت 1"، وكانت كلمة للرئيس سلام، جاء فيها:
"اسمحوا لي اوّلاً أن أعرب عن بالغ الامتنان والتقدير للوزير عامر بساط والأستاذ شارل عربيد ولكل من ساهم في إنجاح هذا الحدث المميز الذي احتضنته بيروت، مدينة الابتكار والتجدد الدائم، ووجهة الفرص الواعدة.
ولا شك عندي ان العدد الكبير من المشاركين في مؤتمر بيروت 1 انما هو دلالة على استعادة الثقة بطاقات لبنان وقدرات ابناءه، كما هو تأكيدٌ جديد على أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وعلى ضرورة تعزيز تعاون لبنان مع اشقاءه العرب وانفتاحه على العالم، من أجل بناء بيئة استثمارية أكثر ازدهارًا واستدامة".
أضاف: "السيدات والسادة، لقد أطلقت على الحكومة التي كان لي شرف تشكيلها اسم "حكومة الإصلاح والإنقاذ". ويقيني ان الإنقاذ لا يكون إلا عبر إصلاح فعلي يؤسس لدولة حديثة، تستعيد ثقة المواطنين، وتحظى بثقة الاشقاء العرب والأصدقاء في العالم.
وقد حددت الحكومة هدفاً اساسياً واضحاً لها وهو إعادة بناء الدولة على أسس صلبة من الاصلاح الشامل، المؤسساتي والاداري والمالي.
ولان دولتنا المنشودة هي الدولة القوية، العادلة، التي لا يعلو فوق سلطتها سلطان، فقد اوضحنا ايضاً في بياننا الوزاري ان ذلك يتطلب حصر السلاح بيدها وحدها".
وتابع: "فمن دون ذلك، لا أمن ولا استقرار، ومن دون الأمن والاستقرار، لا استثمار يأتي ولا اقتصاد ينمو، ومن هنا فان سياستنا تقوم على ركائز اربع:
أولًا: الاستقرار الأمني والسياسي
وبهذا الصدد تواصل الحكومة جهودها، بهدف بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها بقواها الذاتية كما نص اتفاق الطائف، وحصر السلاح في يدها وحدها في جنوب الليطاني واحتوائه في سائر انحاء البلاد قبل نهاية هذا العام. وتجدر الإشارة اننا قد عزّزنا في هذا المجال سيطرتنا على مطار رفيق الحريري الدولي والطريق المؤدي إليه عبر إجراءات إدارية وأمنية صارمة للحد من التهريب وتعزيز السلامة العامة، كما اننا نعمل على تعزيز سيطرتنا على الموانئ البحرية وقد ارسينا قواعد جديدة لتحسين تعاوننا مع الجانب السوري لضبط الحدود، ومكافحة التهريب، وتأمين العودة الآمنة والكريمة للنازحين.
أما على المستوى الإقليمي، فقد اتّخذنا قرارًا واضحًا بإعادة وصل لبنان بعمقه العربي، ومنع استخدامه لزعزعة امن اشقاءه العرب او السماح بتهريب المخدرات وسائر الممنوعات عبر أراضيه إليهم.
ونحن نعمل لاستعادة لبنان موقعه الطبيعي كشريك فاعل في مسارات التنمية، وتنشيط التجارة البينية، وجذب الاستثمار، والانخراط مجددًا في ديناميكيات التعاون الإقليمي.
فالمنطقة تمرّ بتحوّل تاريخي، ولبنان لا يمكن أن يبقى على الهامش.
فلا نهوض للبنان خارج التعاون والشراكة مع عمقه العربي".
واردف: "ثانيًا: الإصلاح المالي والاقتصادي
يشكّل هذا الإصلاح ركنًا أساسيًا في مسار التعافي الوطني. فلا خدمات عامة مستدامة، ولا فرص استثمار حقيقية، ولا إمكانية للنهوض، من دون استقرار مالي واقتصادي. رؤيتنا تقوم على ضرورة المعالجة الجذرية لأخطاء الماضي، وبناء نظام مالي ومصرفي حديث وفعّال.
في هذا السياق، أقرينا قانون رفع السرية المصرفية كخطوة تأسيسية نحو الشفافية والمساءلة واستعادة الثقة. فالسرية لم تعد ميزة، بل أصبحت عبئًا على النظام المالي.
كما عملنا على اقرار قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، تمهيدًا لقيام نظام مصرفي سليم، قادر على تمويل الاقتصاد وخدمة المودعين. وهو يشكّل الإطار القانوني الحديث لإدارة الأزمات المصرفية، وفق أفضل المعايير الدولية، بعد أن افتقر لبنان لآلية واضحة للتعامل مع تعثّر المصارف لعقود.
ونحن نعمل على استكمال قانون ما يسمّى بالفجوة المالية، لأنّه يشكّل الأساس لإعادة الانتظام المالي ويحدّد الآليات الكفيلة باستعادة الودائع وفق أولويات واضحة.
واسمحوا لي هنا أن أُشَدِّد، انه لا يمكن للاقتصاد أن ينتعش من دون إعادة تفعيل الدور الائتماني للمصارف. فالقطاع المصرفي ليس مجرّد وسيط مالي، بل محرّك أساسي للنمو، والاستثمار، وتحريك العجلة الإنتاجية. المطلوب اليوم هو قطاع سليم ومتعافى، فبدون تدفّق جديد للائتمان، تبقى الدورة الاقتصادية مشلولة، والاستثمار مجمّد، والقطاعات عاجزة عن النهوض من الركود.
أما على صعيد التعاون الدولي، فتتقدّم مفاوضاتنا مع صندوق النقد الدولي بمسؤولية من اجل توقيع اتفاق معه.
ندرك أن النمو الاقتصادي المستدام لن يتحقّق من دون تحفيز القطاعات الإنتاجية الأساسية. من هنا فان أولوياتنا تشمل توسيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، خصوصًا في مشاريع البنية التحتية؛ وفتح لبنان أمام الاستثمارات الخارجية، إلى جانب تحديث القوانين الناظمة للأعمال، وتحفيز التصدير.
ونؤمن أن النمو لا يكتمل من دون توزيع عادل للفرص بين كل المناطق. ومن أبرز المشاريع التي نتابعها في هذا المجال هي مشروع مطار رينيه معوض في القليعات، نظرًا لأثره التنموي الكبير، لا سيما في منطقة الشمال".
وتابع: "ثالثًا: الحوكمة واستعادة مؤسسات الدولة
إنّ إصلاح المؤسسات العامة ركيزة أساسية للنهوض الوطني. ونحن اليوم نعمل على بلورة رؤية واضحة لتحديث الإدارة العامة تدريجيًا، من خلال آلية جديدة للتعيينات مبنية على الشفافية والتنافسية والكفاءة، واعتماد التحوّل الرقمي كمسار إلزامي لتحقيق الحوكمة الرشيدة.
ونحن نؤمن ان إعادة بناء الدولة لا تبدأ من رأس الهرم، بل من ترسيخ مبادئ الشرعية والمساءلة في مؤسساتها. ومن هذا المنطلق، بدأنا بتكريس احترام الاستحقاقات الدستورية من خلال إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية بعد تسع سنوات من التعطيل. ونحن نستعد اليوم لتنظيم الانتخابات النيابية في موعدها في شهر أيار من العام القادم، تأكيدًا على التزامنا بالديمقراطية كمدخل للاستقرار.
وفي موازاة ذلك، وضعنا استقلالية القضاء في صلب أولوياتنا، فعملنا على اعتماد قانون يعزز من استقلال القضاء، وهي خطوة مفصلية تهدف إلى تحصين العدالة من التدخلات، وإعادة بناء ثقة الناس بالقضاء.
فبدون مؤسسات فاعلة وشفافة، لا يمكن الحديث عن إنقاذ حقيقي".
أضاف: "رابعًا: إعادة الإعمار
وابدأ بالتشديد على ان لا استقرار ممكن في لبنان طالما استمرّت الانتهاكات الإسرائيلية، وبقي الاحتلال قائمًا لأجزاء من أرضنا. من هذا المنطلق، تكثّف حكومتنا جهودها السياسية والدبلوماسية لتنفيذ "اعلان وقف العمليات العدائية" الذي وافقت عليه الحكومة السابقة في تشرين الثاني عام 2024، وتوفير كل ما يلزم لضمان العودة الكريمة لأهلنا الى مدنهم وقراهم، وإعادة إعمار ما دمّر منها.
وإعادة الإعمار ليست مسألة هندسية أو مالية فحسب، بل هي أيضًا عملية سياسية واقتصادية واجتماعية تهدف إلى تثبيت الناس في أرضهم، واستعادة ما دمّرته الحرب من ثقة، وبُنى، وكرامة.
لقد تعهّدنا في بياننا الوزاري بإعادة بناء ما دمّرته إسرائيل. وفي هذا الإطار، أمّنا حتى الآن قرضًا بقيمة 250 مليون دولار من البنك الدولي لتمويل مرحلة إعادة الإعمار الفوري، ونحن بانتظار إقراره في المجلس النيابي الكريم".
واستكمل: "السيدات والسادة، ما عرضته الان ليس مجرّد تعداد لما قامت به حكومتنا او ما تنوي القيام به، بل هو دعوة مفتوحة إلى شراكة مسؤولة بين اللبنانيين المقيمين والمنتشرين، وبينهم وبين اشقاءهم العرب واصدقاءهم في العالم. وهي دعوة صادقة تدرك حجم التحديات وتتمسّك بفرصة الإنقاذ.
نحن لا ندّعي أنّ الطريق سهل سيّما اننا اخترنا منذ اليوم الأول لحكومتنا، ان نصارح الناس وان نصغي إليهم في مشروعنا لإعادة بناء الدولة".
وشكر قائلاً: السيدات والسادة، أتقدم بجزيل الشكر لجميع الشركاء والرعاة والخبراء والمتحدثين، ولكل من عمل خلف الكواليس الى جانب شارل وعامر لإنجاح هذا المؤتمر. كما أشكر حضوركم جميعاً، وتفاعلكم وإسهاماتكم القيّمة التي أضفت على هذا الحدث عمقًا وثراءً. واسمحوا لي ان أخص هنا الاشقاء من المملكة العربية السعودية الذين كان قد طال شوقنا الى عودتهم الى لبنان، كما أرحب بسعادة سفير الولايات المتحدة الجديد المتحدر من بسوس.
وختم سلام: "نأمل أن نلتقي بكم في نسخ جديدة من مؤتمرنا، بيروت 2 و3 بإذن الله، وأن تتجسد مساهماتكم في هذا المؤتمر في مشاريع تُسهم في دعم الاقتصاد اللبناني وفي تعزيز موقع بيروت كعاصمة للاستثمار في المنطقة".
