كتب أسعد بشارة في نداء الوطن :
مساء السبت، حمل اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة نواف سلام برئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في معراب أبعاداً سياسية تتجاوز طابعه البروتوكولي أو الودي. ففي زمن التغيّرات الدقيقة في المشهد اللبناني، يصبح كل لقاء من هذا النوع بمثابة رسالة سياسية، لا سيما حين يتزامن مع محطات حساسة كأزمة تعيين حاكم مصرف لبنان.
امتد اللقاء لساعات، وجرى التطرق خلاله إلى ملفات الداخل والخارج، في وقت يخوض فيه نواف سلام معركة دقيقة في مقاربة التعيينات، في ظل بيئة خلافية لا تزال تحيط بعلاقته مع رئيس الجمهورية جوزاف عون، على وقع صراع الصلاحيات بين الرئاستين الأولى والثالثة. من هنا، تكتسب زيارة سلام إلى معراب رمزية خاصة، إذ إنها تشكّل نافذة جديدة على إمكان بناء توازنات داخلية تعيد وصل ما انقطع أو ما توتر بين المرجعيات السياسية والدستورية.
من جهتها، لعبت “القوات اللبنانية” دوراً مركزياً في أزمة التعيين، إذ حاولت من موقعها أن تمنع انزلاق البلاد إلى اشتباك بين الرئاسات، ساعيةً إلى ضبط الإيقاع بين بعبدا والسراي، من دون الانحياز لطرف على حساب آخر. واليوم، تعود “القوات” لتؤكد هذا الدور من خلال استقبالها نواف سلام، وتثبيت تموضعها كقوة سياسية توازن بين المرجعيات وتستثمر موقعها النيابي والشعبي لإبقاء اللعبة السياسية ضمن حدود المؤسسات.
لم تكن جلسة معراب مجرد اجتماع سياسي، بل حملت مؤشرات إلى تقارب في الرؤى بين الطرفين، خاصة في ما يتعلّق بمسألة الإصلاح، واستعادة انتظام العمل المؤسساتي. قد لا يكون التحالف وارداً حالياً، لكن فتح قنوات التواصل بين السراي ومعراب يُعدّ تطوراً مهماً في رسم خريطة المرحلة المقبلة.
سلام في معراب ليس مشهداً عابراً. إنه عنوان لتحوّل ممكن في تموضع رئيس الحكومة، وفي استعداد “القوات” للعب دور بيضة القبان بين المتصارعين، على قاعدة “تلاقي القناعات ودوزنة التوازنات”.