أكد رئيس مجلس الوزراء نواف سلام في مقال نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" أنه استقال من رئاسة محكمة العدل الدولية ليتولى رئاسة الحكومة اللبنانية وهو مدرك تماماً ثقل المهمة، مشيراً إلى أن عودته لم تكن إلى دولة مستقرة بحكم رشيد، بل إلى بلد شبه منهار نتيجة عقود من سوء الإدارة والطائفية والفساد والحروب.
وأوضح سلام أن الليرة اللبنانية فقدت أكثر من 98% من قيمتها منذ 2019، وأن الاقتصاد انكمش بنحو 45%، فيما تجمّدت ودائع تزيد قيمتها على 124 مليار دولار في المصارف. وأضاف أن انفجار مرفأ بيروت عام 2020 شكّل محطة مأساوية أودت بحياة أكثر من مئتي شخص وأصابت آلافا، ودمّرت أجزاء واسعة من العاصمة، ما كشف عجزًا فادحًا في مؤسسات الدولة، قبل أن تزيد الحرب الأخيرة مع إسرائيل من الدمار والمعاناة.
وأكد أن مستقبل لبنان لا يجب أن ينتهي عند الانهيار، مشددًا على أن حكومة قوية وحديثة قادرة على دعم روح الريادة والابتكار لدى اللبنانيين، وأن حكومته تعمل على انطلاقة وطنية جديدة ترتكز على ركنين أساسيين هما السيادة والإصلاح.
وفي ما يتعلق بركيزة السيادة، شدّد سلام على أن الدولة اللبنانية وحدها يجب أن تمتلك السلاح داخل أراضيها، وأنها وحدها من يملك قرار الحرب والسلم. وقال إن الحكومة أصدرت في 5 آب الماضي تعليمات للجيش بوضع خطة شاملة لحصر السلاح بيد الدولة، وفي الشهر التالي أُقرّت الخطة التي تنص في مرحلتها الأولى على مهلة ثلاثة أشهر لضمان احتكار الدولة للسلاح جنوب الليطاني واحتوائه في بقية المناطق. وأشار إلى تعزيز الأمن في مطار بيروت والمعابر الحدودية، وتفكيك مئات المستودعات والأسلحة غير المشروعة وشبكات التهريب.
أما الركيزة الثانية الإصلاح، فلفت سلام إلى أنها أساسية لإعادة بناء الاقتصاد وتعزيز المؤسسات. وأعلن إقرار قانون رفع السرية المصرفية وقانون إدارة الأزمات المصرفية، إضافة إلى إعداد قانون يضمن حقوق المودعين وتوزيعًا عادلًا للخسائر الناجمة عن الانهيار المالي. ورأى أن هذه الإصلاحات ضرورية لإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي ولتفكيك الاقتصاد النقدي الذي يغذي الجريمة وغسل الأموال.
كذلك، أوضح أن حكومته تقدمت بمشروع قانون يضمن استقلال القضاء، وشكّلت هيئات ناظمة مستقلة لقطاعات الكهرباء والطيران والاتصالات، مع وضع معايير كفاءة في التعيينات العامة، مشددًا على أن الطريق ما زال طويلًا وأن النجاح يتطلب دعمًا دوليًا مستمرًا.
وفي الشق الأمني، أكد سلام التزام لبنان بقرارات مجلس الأمن وإعلان وقف الأعمال العدائية مع إسرائيل الصادر في تشرين الثاني 2024، لكنه اتهم إسرائيل بالاستمرار في انتهاك السيادة واحتلال خمسة مواقع في الجنوب واحتجاز مواطنين لبنانيين، محذرًا من أن هذه الانتهاكات تُضعف جهود بسط سلطة الدولة وتغذي احتمالات تجدد الصراع. ودعا المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لوقف الاعتداءات ولتعزيز دعم الجيش اللبناني باعتباره الأكثر قدرة على حفظ الاستقرار.
وختم سلام بدعوة الدول الصديقة والشركاء الدوليين لدعم لبنان في مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي وفي جهود جذب الاستثمارات وإعادة الإعمار، قائلاً: "نحن لا نطلب من أحد أن يقوم بعملنا عنا، بل أن يقف معنا ويساعدنا على النجاح... لبنان مهم لاستقرار المنطقة، ولا نريد أن نعود إلى الزبائنية والفساد بل إلى دولة حقيقية قادرة على النهوض".