سلام: لبنان ينظر إلى الدور المصري بوصفه دوراً فاعلاً ومسؤولاً

252

أقام رئيس مجلس الوزراء نواف سلام مساء اليوم في السرايا الحكومية مأدبة عشاء تكريمية على شرف رئيس الحكومة المصري مصطفى مدبولي والوفد المرافق حضرها الرؤساء ميشال سليمان، نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة، تمام سلام وحسان دياب. نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب، نائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري، اضافة الى عدد من الوزراء والنواب وقادة الأجهزة الامنية وشخصيات سياسية واجتماعية.

وفي المناسبة ألقى سلام كلمة جاء فيها:

"يسعدني أن أرحّب بكم في لبنان، في هذا اللقاء الذي يعبّر عن عمق العلاقة بين بلدينا، وعن تقدير لبنان الكبير للدور الذي تضطلع به جمهورية مصر العربية، قيادةً ودولةً وشعبًا، في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ منطقتنا.

لقد شكّلت مصر، بالنسبة لنا وعلى الدوام، ركيزة أساسية في النظام العربي، وصوتًا عقلانيًا في لحظات الانقسام، ومرجعية في الدفاع عن القضايا العربية المشتركة، وفي السعي إلى حماية الاستقرار الإقليمي وتعزيز الحلول السلمية للنزاعات.

ويثمّن لبنان هذا الدور ومواقف مصر الأخوية الداعمة له سياسيًا ودبلوماسيًا، كما يقدر عالياً جهودها المتواصلة، بالتنسيق مع الأشقاء العرب، لدعم لبنان في جهوده لوقف الاعتداءات الإسرائيلية اليومية والانسحاب من كامل أراضيه والافراج عن اسراه.

ولبنان ينظر إلى الدور المصري بوصفه دورًا فاعلاً ومسؤولًا، يرفض منطق المَحاور، ويسعى إلى تجنيب المنطقة مزيدًا من الانفجارات، وإلى تثبيت الحلول السياسية كخيار مستدام.

وفي هذا السياق، يرحّب لبنان بالجهود المصرية الحثيثة الرامية إلى احتواء التوتر وتفادي توسيع رقعة المواجهة، ليس فقط على الساحة اللبنانية بل على مستوى الإقليم ككل. كما يثني على الدور الذي اضطلعت به مصر في مؤتمر شرم الشيخ الأخير، الذي انعقد في ظلّ الحرب المدمّرة على غزة، بهدف الدفع نحو وقف فوري لإطلاق النار، وتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية، وفتح مسار سياسي يضع حدًا لمعاناة الشعب الفلسطيني، ويحول دون تعميم النزاع على دول المنطقة.

دولة الرئيس،

العلاقة بين لبنان ومصر ليست علاقة دولتين فحسب، بل علاقة شعبين تشاركا الزمن، والذاكرة. فإذا عدنا قليلًا إلى التاريخ الأبعد، نجد أنّ العلاقة بين لبنان ومصر ليست وليدة العصر الحديث فقط، بل هي امتداد لتفاعل حضاري عميق. وعلى امتداد العصور، تلاقت بيروت والإسكندرية، في مسارٍ واحدٍ من التبادل التجاري والتأثير الثقافي المتبادل. وفي القرن التاسع عشر، تركت مرحلة محمد علي باشا وحملة إبراهيم باشا أثرها في تحديث الإدارة والاقتصاد.

وكذلك، استقبلت مصر، ولا سيّما القاهرة والإسكندرية، أعدادًا من اللبنانيين الذين وجدوا فيها فضاءً عربيًا منفتحًا للفكر والعمل والإبداع، فأسهموا في نهضة الصحافة والثقافة والطباعة. فروز اليوسف، اللبنانية الأصل، التي أصبحت إحدى أيقونات الصحافة المصرية، لم تكن استثناءً، بل عنوانًا لهذه المرحلة وشاهدًا على عمق التفاعل بين بيروت والقاهرة، والتي كان من اعلامها ايضاً بشارة وسليم تقلا مؤسسا الاهرام، وجرجي زيدان صاحب مجلة الهلال والروايات التاريخية الشهيرة التي لا اشك انها اثرت في العديد منكم ... كما اثرت فيّ.

وفي العصر الحديث، تشارك البلدان في صناعة الوجدان العربي الحديث. فمن القاهرة خرجت أصوات أحبّها اللبنانيون كما لو كانت جزءًا من ذاكرتهم الخاصة، ومن بيروت مرّت أفكارٌ وأقلامٌ وجدت في مصر فضاءها العربي الرحب.

فمن الصحافة إلى الفن، ومن الكلمة إلى الموسيقى، استمرّ هذا التفاعل في تشكيل وجدان عربيّ مشترك. ففي السينما والمسرح، كانت صباح، الصوت اللبناني الذي لمع في مصر، في بيتها الثاني، كما بقي عمر الشريف، الذي جمع بين ضفّتي المتوسّط، رمزًا للفن العربي العابر للحدود.

وفي موازاة هذا المسار الثقافي، شكّلت بيروت والقاهرة فضاءين متكاملين للفكر القانوني والسياسي العربي، حيث نوقشت أسئلة الدولة الحديثة، والدستور، والحريات، ودور المؤسسات.

دولة الرئيس،

الحضور الكريم،

واليوم، ونحن نلتقي في بيروت، نؤمن بأنّ التعاون الثنائي بين لبنان ومصر يمكن أن يشكّل نموذجًا يُحتذى به في تعزيز العلاقات العربية–العربية عمومًا، ليس فقط على المستوى السياسي، او الثقافي، بل أيضًا في المجالات الاقتصادية والتجارية والعلمية والتكنولوجية.

فالتكامل بين دولنا العربية لم يعد ترفًا، بل ضرورة استراتيجية، تقوم على تنشيط التبادل التجاري، وتشجيع الاستثمارات المشتركة، وتطوير البحث العلمي، وبناء شبكات تعاون تعليمية ومعرفية قادرة على تثبيت أجيالنا في أوطانها وفتح آفاق المستقبل أمامها.

وفي هذه اللحظة الدقيقة، يؤكد لبنان ثوابته الوطنية: التمسّك بعروبته وبسيادته ووحدة أراضيه، وببسط سلطة الدولة على كامل أراضيها بقواها الذاتية وحدها، والعمل على إعادة الإعمار وعودة الحياة إلى جنوبه. كما يثمّن لبنان الدور العربي الداعم له، في توطيد الاستقرار ودعم مسارات التعافي.

إنّنا نريد للعلاقات اللبنانية–المصرية أن تكون نموذجًا للتكامل، وللاستثمار في الإنسان قبل أي شيء آخر. علاقة تستند إلى التاريخ، ولكنها لا تعيش فيه، بل تبني عليه مستقبلًا عربيًا أكثر تخطيطاً وعقلانية.

دولة الرئيس،

من بيروت، ستّ الدنيا ..... إلى مصر، أمّ الدنيا ... أهلًا وسهلًا بكم في لبنان".

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: