"سلمان رشدي".. والجواب الإيراني على السؤال؟!

Screenshot_20220813-012644_Chrome

كتب محمود القيسي

"كم من زمانٍ مرَّ كي يجدوا الجوابَ عن السؤالْ.
وما السؤال إلا جوابٌ عن السؤال إلا جواب لا سؤال له.
وكانت تلك أسئلة الرمالُ إلى الرمالْ".
*محمود درويش

أحب الكتاب، لا لأنني زاهد في الحياة، ولكن لأن حياة واحدة لا تكفيني كما قال عباس محمود العقاد. ويستطرد العقاد قائلاً ليس هناك كتابا أقرأه و لا أستفيد منه شيئا جديداً، فحتى الكتاب التافه أستفيد من قراءته، أني تعلمت شيئاً جديداً هو ما هي التفاهة؟ وكيف يكتب الكتاب التافهون؟ ويضيف، القراءة وحدها هي التي تُعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة؛ لأنها تزيد هذه الحياة عمقاً، وإن كانت لا تطيلها بمقدار الحساب.. لا يمكن أن تكون القراءة هواية ثانوية، كيف لشيء يُكسبك معنى الإنسانية، ويُطوّرك معرفيًّا، ويُهذّبُك وجدانيًّا، ويُعرّفُك بالعالم المحيط أن يكون ثانويا…؟ في العام 213، كما جاء في الكتب والدراسات والأبحاث والمخطوطات القديمة - الجديدة أمرَ إمبراطور الصين بتدمير الكتب المعرفيّة كلّها. وعندما احتجّ بعض المثقفين على هذا القرار - وكان عددهم أربعمئة - أمر الامبراطور بأن يُدفَنوا أحياء. قرابة العام 1000، دُمِّرَت مكتبة المنصور في قرطبة بإيعاز من علماء الدين. وباسم الدين، تمّ قتل الكثير من الكتّاب والشعراء (بشّار بن برد، الحلاّج، ابن زيدون، السهروردي…)، وحُكمَ بالنفي على ابن رشد، وابن خلدون… ومن المعروف أنّ هولاكو أمرَ برمي مكتبة بغداد وكتبها العلميّة الثمينة في دجلة. استمرّت كراهية الكتاب في كلّ العصور، من زمن محاكم التفتيش في أسبانيا إلى هتلر وستالين… إلى أيامنا هذه، حيث ان الكتاب في مفهوم أنظمة كثيرة ليس إلا كائن مرعب ومخيف يجب التخلص منه بكل الوسائل المتاحة والغير متاحة في فلسفة الأنظمة والأحزاب السياسية المستبدة.. فلسفة الغاية تبرر الوسيلة.. وإجازة القوانين الغير شرعية والغير مشروعة والغير مجازة…؟!

تعتقد النُخب الفكرية من كتّاب وفلاسفة ومفكري اليسار العالمي المعاصر على ضرورة أسترجاع زمام أمور الأديان من قبضة رجال الدين في عملية مصالحة ضرورية بين هذا اليسار والأديان في إعادة قراءة وعي تلك الضرورة والتي أضحت ضرورة الوعي…! غصت الصحف ووسائل الإعلام في العالم العربي والإسلامي باسم سلمان رشدي عام 1988 وما تلاه من أعوام، على إثر رواية له جاءت تحت عنوان "آيات شيطانية" احتوت على إساءات مدانة للنبي محمد والمسلمين، وهو ما ترتب عليه احتجاجات شعبية عارمة خاصة في مسقط رأسه بالهند. منذ أعوام قرأت رواية "آيات شيطانية" لسلمان رشدي"، لم تجذبني وبالكاد أنهيت قرائتها. الضجة التي تلت إصدارها ببساطة كانت بسبب رد فعل الغاضبين على حبكتها مما ساهم في نجاح العمل مالياً وإنتشاره وترجمته على نطاق واسع. أعتقد أنه لو كان خصوم رشدي قد سكتوا وتجاوزوا لكان أفضل لهم. كما أذكر تماماً عندما صدر هذا الكتاب. (كنت حينها في عامي الاخيرة في الولايات المتحدة قبل ذهابي الى المملكة العربية السعودية للعمل في أحدى شركات الإنشاءات المدنية والصيانة والتشغيل)، وأذكر أن الكتاب كان صعب الهضم لغير المتخصصين في الآداب. وأراهن على أن 99٪ من الآلاف الذين خرجوا في عالمنا الإسلامي احتجاجاً على العمل لم يقرؤوه، وإن فعلوا لم يستوعبوا ما جاء فيه. وكان رشدي قد رد على سؤال عن أكثر ما تسبب بتعاسته خلال السنوات الماضية، حيث قال في مقابلة سابقة مع CNN قبل سنوات: "هي الأمور المعتادة والواضحة، منها 10 سنوات من الصمت، وصعبة بسبب مهاجمتي ومهاجمة عملي وروايتي.." وتابع قائلا: "انا متفاجئ أنني في حال جيدة، نعم كانت (السنوات الماضية) صعبة جدا ولكن في بعض الأحيان تتعلم أمورا عن نفسك عندما تُضع في موقف بغاية التوتر، وتتعلم إن كنت قادرا على التعامل معها أو لا.." وعن إمضائه وقتا طويلا مختبئا، قال رشدي: "كنت قلقا دوما من هذا المصطلح لأن الحراسة المشددة يمكن ملاحظتها بصورة لا تصدق.. لأن هناك جيشا صغيرا يحيط بك وهذا يدفعك للشعور بأن ما يحدث معاكس تماما للاختباء". وردا على سؤال حول ما الذي تعلمه؟، قال رشدي: "تعلمت ربما أنني أقوى مما اعتقد، ما اعتقدت أن بإمكاني دعم نفسي للنجاة من تلك التجربة، ولكنني فعلت ذلك، واعتقد أن ما يحصل هو أنك تتعلم تقدير الأشياء أكثر مما كنت في السابق، مثل فن الأدب وحرية التعبير وحق قول أمور لا تعجب أناسا آخرين.." وأضاف: "نعم، ربما كان العقد الأخير غير سار، ولكنها كانت معركة صحيحة، معركة حول أكثر الأمور التي أؤمن بها ضد تلك التي لست معجبا بها، وهي التعصب الأعمى والفاشية والرقابة، وعليه نعم خرجت من ذلك أوضحا نوعا ما".

يقول سارتر: «لا يوجد مسار موصوف يهدي الإنسان إلى خلاصه، بل يجب عليه اختراع مساره دائماً. وأن يخترع مساره معناه أنه حر ومسؤول ولا أعذار له في هذا، فكل أمل يكمن بداخله».. فيما يلي مضمون مقال للكاتب العالمي نجيب محفوظ، حول فتوى الخميني بإهدار دم "رشدي"، حيث أدان "محفوظ" هذه الخطوة، لاختراقها العلاقات الدولية وخروجها عن الإسلام الذي نعرفه فيما يتعلق بمحاسبة المرتد.وقال محفوظ في المقال: "ضربت بالأزهر الشريف مثلا طيبا في تصديه للكتاب بالرد عليه في كتاب آخر، كما أشرت إلى فتوى فضيلة المفتي وذلك كله يهدف أن يدرك القاريء أو المشاهد أن للإسلام رسالة غير الإرهاب والتحريض على القتل وإني أعتقد أن الخميني أساء للإسلام والمسلمين إساءة لا تقل إن لم تزد عما قصده مؤلف الكتاب".وأكد محفوظ، أن الربط بين روايته "أولاد حارتنا" و"آيات شيطانية" لسلمان رشدي خطأ بالغ، قائلًا: "أنادي بأن تكون حرية الرأي مقدسة ولا يصحح الفكر إلا الفكر، ولكن لا تتساوى المجتمعات في تحمل الحرية إذا تجاوزت الحدود، وعلى المفكر أن يتحمل مسئولية فكره في حدود إيمانه وشجاعته وظروف مجتمعه، ولذلك أيدت مصادرة الكتاب حفظا للسلم الاجتماعي، على شرط ألا يتخذ ذلك ذريعة لقهر الفكر بل أيدت مطالبة الأزهر بمنع طبع أولاد حارتنا طالما أن رأيه فيها لم يتغير، وأكدت أن كتابي ليس فيه ما يمس الأديان أو الرسل، وإني كبير الأمل في أن أوضح للمعترضين على وجه الحق فيه، وفي حديث مع التليفزيون السويسري كانت حقائق جديدة قد ذكرت عن الكتاب فعرفت أنه والعهدة على الكاتبين سب وقذف لم يجر بمثله قبل من قبل، فقلت للمذيعة إنه إن صح ذلك فالكتاب يكون تحت مستوى المناقشة وإنه كأي فعل خارج عن حد القانون والأدب فمخاصمته تكون في المحاكم". وواصل محفوظ: "إني لأدرك أنه إذا كان سلمان انحرف في خياله، فإن المسلمين أساءوا التصرف بالمظاهرات وحرق الكتاب وإهدار الدم، مما قلب الوضع فجعل من المجرم ضحية ومن الضحية متهما.

برز اسم الكاتب سلمان رشدي البريطاني من أصول هندية، في الثمانينيات من القرن الماضي كما جئنا على ذكره أعلاه، بعد روايته "آيات شيطانية،" التي اعتبرت مهينة للإسلام والنبي محمد، وأثارت احتجاجات في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ما دفع الزعيم الإيراني السابق، الخميني لإصدار فتوى بإهدار دمه. محاولة اغتيال سلمان رشدي ينطبق عليها مقولة: الأحمق يضرك من حيث يريد نفعك،فرواية "آيات شيطانية" ومؤلفها وضجتها كادت أن تصبح في عالم النسيان،حتى أتى هذا الشاب ونفض الغبار عن كل ذلك، ومنحها زخما جديدا، والمزيد من السمعة السيئة والبغضاء للإسلام.. القتل مرفوض في كل الأحوال.. وغير مبرر تحت أية ظروف مهما كانت. ويبقى الجواب على السؤال الذي ينتظره الجميع في رسم سلطات دولة ولاية الفقيه من آية الله خامنئي إلى أصغر عنصر في مؤسسة الحرس الثوري الإيراني.. حرس الإمبراطورية السوداء: "هل تدفع إيران 3 مليون دولار علناً للرجل (أو لعائلته) الذي طعن كاتب "آيات شيطانية" سلمان رشدي بموجب فتوى الزعيم الإيراني آية الله الخميني التي دعى فيها لاغتياله في 14 فبراير من عام 1989؟ أم تتراجع عنها طهران في سبيل البراغماتية والتفاوض مع دول الغرب؟ أو هناك حبكة عميقة خلف كواليس المسرح؟ حيث أن مسرحية ليالي الأنس في فيينا الغنائية على أنغام العظيم موتسارت على وشك ان ترفع الستارة وتبدا العرض الاوبرالي العالمي على أضواء خافتة وبعيدة عن وعي الجماهير والشعوب.. وهل توضع الأداة التي أستخدمت في طعن سلمان رشدي على طاولة المفاوضات… أو على خشبة المسرح؟!!!

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: