سليمان “بِك”… مرشح نموذجي للإقطاع البائد

WhatsApp-Image-2023-07-21-at-3.21.57-PM

لو كنّا اليوم في عام 1840، لكان سليمان فرنجية في أحسن أيامه. في حينها، كان الإقطاع في لبنان هو النظام القائم، حيث يتسيّد “البكوات” على حكم الأرض والبشر. أما اليوم، فلا يمتد نفوذ “إقطاعية” فرنجية بشكل حقيقي أبعد من تخوم قضاء زغرتا وقرى الأقضية المحيطة.

تغيّر شكل الإقطاع حتماً. ما عاد يقوم على احتكار ملكية الأرض وتشغيل الفقراء دون بدل، إنما عبر احتكار “الزعامة” والخدمات والسطوة على المرافق الاقتصادية والرسمية. نفس شكل العلاقة الزبائنية والنفعية تقريباً، إنما بأدوات مختلفة.

يترشح فرنجية اليوم لرئاسة الجمهورية. لا يؤيده أحد من مجتمعه المسيحي حقيقة، باستثناء حفنة من “الزعامات” الصغيرة المحلية. فريد الخازن، ميشال المر (الصغير)، و ويلم طوق، بالاضافة، طبعاً، إلى ابن سليمان، طوني.

لا يُفشى سرّ إن قيل أن المجتمع المسيحي الذي يفترض فرنجية تمثيله في النظام السياسي، هو بعيد جداً عنه. فقسم منه يؤيد الأحزاب الكبيرة، كالقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، وبدرجة أقل الكتائب اللبنانية، وقسم آخر يؤيد الحركات الشبابية الجديدة ومجموعاتها العابرة للطوائف، وقسم أخير يدور في فلك بكركي أو ما يوازيها من الصروح البطريركية الأخرى. قلة قليلة لا تزال تتعلق بـ”الزعامات” المحلية، خاصة إن كانت تهوى الخدمات البسيطة والنمط الزبائني من العلاقة مع “البِك”.

في المقابل، ترى الثنائي الشيعي القابض على زمام السلطة وقدرة التعطيل البرلماني، يؤيد فرنجية حدّ الاستماتة. لا يزين حزب الله وحركة أمل التغييرات القائمة في المنطقة ولا في المجتمع اللبناني الرافض لسطوتهما المتزايدة على السلطة والمجتمع والفضاء اللبناني العام. هذا ويؤيدان فرنجية على الرغم من أن شعبيته محدودة ولا يملك رؤية انقاذية حول أي شيء، إنما مجرد بعض النفوذ في الشمال.

لفرنجية سطوة خدماتية في قضاء زغرتا ومحيطه. له كلمة معتبرة في مستشفيات زغرتا والكورة والبترون، حصّله عبر شبك العلاقات والتوظيف الزبائني يوم كان وزيراً للصحة العامة (1996-1988، و2002-2004). كما سطوة على المخافر المحلية عززه يوم كان وزيراً للداخلية والبلديات (2004-2005). بالإضافة إلى نفوذ في الإدارات العقارية زاده يوم كان يوسف فنيانوس وزيراً للأشغال العامة والنقل (2016-2020).

السلطة ليست للخدمة العامة أو للإصلاح والتحديث عند الزعامات المناطقية، إنما الغرض منها تحقيق المكاسب ومدّ النفوذ وإرضاء الأنصار للتأكيد على ولائهم… وبالتالي، دوام “الزعامة”.

هل يصلح إقطاعي تقليدي لبناء دولة حديثة؟ سؤال لم يردده أحد عند البحث بترشيح فرنجية للسدة الرئاسية. البعض انتقده من زاوية علاقاته “الأخوية” ببشار الأسد، وقسم آخر انتقده من زاوية الالتحاق الذيلي بالثنائي الشيعي. مشكلة فرنجية ليست خياراته السياسية وحسب، إنما مشكلته كذلك في أن نمط عمله السياسي “قديم” جداً.

لم يستطع بناء “تيار المردة” بشكل حقيقي، بل بقي التيار حالة تؤطر شبكة المنافع والخدمات و “الواسطة” التي تدور ضمن فلك “البكوية”، دون خلق جسم تراتبي منظم وحقيقي داخله. لم يحمل “تيار المردة” برنامجاً سياسياً حقيقياً، ولم يتطوّر همه السياسي بعيداً عن منطقة زغرتا أو عن “ثوابت البِك”. هذه الثوابت التي لا تشبه أفكار عموم مجتمعه، ولا تتلاقى البتة مع الحداثة، بل تقوم على العروبة، والتآخي مع نظام الأسد، كما على نمط من العمل السياسي القائم على تعزيز الروابط العائلية والإقطاعية والخدماتية.

تجربة فرنجية الحزبية والمناطقية تكفي وحدها لاستشفاف ما سيكون حكمه عليه إن وصل إلى السدة الرئاسية يوماً.

هذا الفكر الزبائني والإقطاعي الذي يجسده فرنجية في نمط عمله السياسي والحزبي، لن يكون إلا وبالاً على اللبنانيين إن حط رحاله في قصر بعبدا.

يعرف أبناء زغرتا غير الخاضعون للبكوية وقعها الثقيل عليهم، فيما لا يعتقد أحد منهم أن تعميم هذا النموذج الرجعي في كل لبنان من مصلحة أي فرد. يكفي أهل لبنان ويلات وخراب، فلا أحد منّا بحاجة إلى مصيبة جديدة أو حاكم تقليدي آخر. يكفينا ما حلّ بنا في عهد ميشال عون.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: