قبل 19 عاماً وعلى أثر استشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والعديد من المواطنين في 14 شباط 2005، خلال تفجير موكبه في قلب العاصمة بيروت، حدث زلزال سياسي وأمني شكّل منعطفاً قلب كل المقاييس، بعد غياب علامة فارقة في السياسة اللبنانية والعربية والدولية، نسجت العلاقات مع كل الدول العظمى ومن الباب العريض، فكانت من المؤثرين الكبار في كل المواقع، ولا يزال الاسم يصدح حتى اليوم. .
اليوم نستذكر رجل العمران الرئيس رفيق الحريري بحنين، وكل الرجالات الكبار أمثاله، فلا نجدهم لأنّ طينة رجالات الدولة قد ولّت على ما يبدو الى غير رجعة.
على صعيد الداخل، فاغتيال تلك الشخصية المميّزة دفع بأكثر من نصف اللبنانيين الى تظاهرة شعبية في ساحة الشهداء، بطلب من شخصيات سياسية من طوائف مختلفة تحت عنوان انتفاضة الشعب، التي تمثّلت أهدافها بضرورة إنهاء الاحتلال السوري للبنان، وتكوين لجنة دولية للتحقيق في اغتيال الشهيد، ورحيل النظام اللبناني- السوري، واستقالة مسؤولين أمنيّين وتنظيم انتخابات نيابية نزيهة، وإلى ما هنالك من مطالب صبّت في خانة تحقيق استقلال لبنان.
تلك الانتفاضة استطاعت تحقيق بعض أهدافها، على الرغم من الضغوط التي كانت تطوّقها، فسقط لها إزاء ذلك قافلة من شهداء ثورة الأرز، بعدما تمكنّت من جذب اللبنانيين التوّاقين إلى الحرية والسيادة، والى قيام دولة قوية مبنية على مؤسسات تحترم القوانين، وتعتمد الديموقراطية والحرية أساساً لنظامها السياسي، أي دولة خاضعة فقط لإرادة شعبها، فجمعت أفرقاءَ لطالما كانوا بعيدين ضمن مسافات سياسية شاسعة، لكن شعار لبنان أولاً جمعهم، فتناسوا الخلافات وتصدّوا للمحور السوري- الإيراني، وللسلاح غير الشرعي وللدويلة داخل الدولة، فوحّدهم أيضاً شعار لبنان سيّد حر مستقل، فدافعوا عنه بدمائهم ليسطّروا ملاحم بطولية.
كم نطمح اليوم إلى شخصية شبيهة بالرئيس الشهيد، وإلى إعادة إحياء هذين الشعارين، مع وضع خطة عمل والسير بخارطة طريق جديدة، وإعادة جمع الفريق المشرذم، من خلال صرخة ثورية تعيدنا إلى النضال، والى تلك المرحلة المشرّفة من تاريخ لبنان.
اليوم يجتمع محبّو الرئيس الشهيد من كل لبنان، يقفون امام الضريح ويستذكرون مَن لا يموتون بل يبقون أحياءً فيهم.