شحادة: للتعامل مع الذكاء الاصطناعي بوعي ومسؤولية

sheh

افتتحت الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية في لبنان في مقرها في عين نجم، النسخة السابعة للمعرض التكنولوجي التربوي EDUTECH والذي حمل هذا العام عنوان “من الطبشورة الى التعليم الذكي”، برعاية وزير المهجرين ووزير الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي كمال شحادة.

بعد النشيد الوطني، شدّدت عريفة الحفل الإعلامية رين رحّال على ضرورة “تعزيز التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في المستقبل التعليمي مع الحفاظ على الإنسان والسعي الى تطويره لا تهديم قيمه وفكره”.

وتخلّل الحفل ترانيم ادتها ناتالي أبي حبيب الخوري، التي سبّحت بترانيمها الله وأمّه العذراء مريم.

ورأى الأمين العام للمدارس الكاثوليكية في لبنان الأب يوسف نصر في كلمة القاها بالمناسبة “أنّنا نشهد عصر التحوّل، ومن أهم هذه التحوّلات ما يحصل في التربية وكيفيّة إدخال الذكاء الاصطناعي الى المناهج التربوية” معتبراً أنه “علينا مواكبة هذا التطور لتدارك الإيجابيات والتنبّه للسلبيات”.

ولفت الأب نصر الى أنّ “رؤية 2030 للأمانة العامة تكمن في التطلّع الى تربية رقمية، أي تحويل مدارسنا تدريجيًا كي تحوي تربية رقمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا”.

وأشار الأمين العام الى أنّ “التكنولوجيا تتيح لنا تحقيق المزيد من الشخصانيّة في التعليم، بحيث تساعد المعلّم على الدخول بعلاقة مباشرة مع المتعلّم؛ من الإندماج بحيث يصبح المسار التعلّميّ مخصّصًا لكلّ طالب بحسب قدراته واهتماماته؛من التحفيز لدى المتعلّمين؛ ومن الإبداع مما يساهم في فتح آفاق جديدة للاكتشاف والإبداع، ويرسّخ حبّ التعلّم وينمّي روح المبادرة لدى المتعلّمين”.

كما نوّه بضرورة “تسهيل الذكاء الاصطناعي وتعزيز فكرة التربية الخضراء كي نحافظ على أرضنا وبيئتنا للعيش بشكل سليم”.

وأكد الأب نصر أنّ “التربية مدعوّة كي تستفيد من التطور التكنولوجي وتدمجه كي نحصل على تعليم منتج ونافع”.

وتابع: “لا شكّ أنّه أصبح من الضروريّ أن نواكب هذا التحوّل، وأن ندخل هذه الأدوات الجديدة إلى مدارسنا، لا بشكل عشوائيّ، بل ضمن ضوابط واضحة ومحدّدة تحافظ على خصوصيّة المتعلّم ونموّه الإنسانيّ، في إطار أخلاقيّ يحمي القيم التي لطالما شكّلت جوهر رسالتنا التربويّة.”

أضاف: “قد يخسّرنا الذكاء الاصطناعي حوالى 90 مليون وظيفة لكنه سيفتح المجال أمام 60 مليون وظيف جديدة في العالم”.

واعتبر أنّ “الذكاء الاصطناعي يساهم بتعزيز التعلم المباشر والشخصاني، فضلًا عن التحفيز، الدمج، الإبداع، وتنمية روح الخلق لدى الطلّاب”.

وطرح الأب نصر مجموعة تساؤلات أهمها: “هل سيتم الاستغناء عن المعلم؟ هل هذا الموضوع سيؤثر سلبًا على القدرات العلمية للتلميذ؟”.

وقال: “من هنا، يشكّل مؤتمر ومعرض Edutech 2025 فرصة مهمّة لعرض أحدث الابتكارات في مجال التكنولوجيا التربويّة، ومناقشة كيفيّة توظيفها بشكل أخلاقي وفعّال في مدارسنا”.

وإذ شكر في نهاية كلمته “اللجنة المنظمّة”، توجّه الأمين العام الى الوزير شحادة بالقول: “هذه الحكومة تضمّ مجموعة من أصحاب الاختصاص ما يريحنا ويبشّر بالخير. لا تخيّبوا أملنا بل اجعلونا نحافظ عليه.”

من جهته، قال مسؤول قسم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكيّة جوزيف نخلة: “نلتقي اليوم لنعيد تشكيل المستقبل، ولنحتفي بالتكنولوجيا كي نغوص بصميمها ونفهم الذكاء الاصطناعي كآداة جديدة تعيد رسم التعليم عبر إيجاد الأجوبة على تساؤلات عدة منها:كيف نعلّم؟ ماذا نعلّم؟ لماذا نعلّم”.

أضاف: “بتنا نعيش في عصر لا يشبه ما قبله يجعلنا نطرح أسئلة جوهرية: كيف نوجّه الذكاء الاصطناعي ليكون أداة للعدالة لا التمييز؟ كيف نميّز  المعرفة من الاحتكار ونضمن أن تكون مفتوحة ومتاخة لكل انسان؟”.

وأشار الى أنه “علينا ان نختار من هذا الجديد ما يخدم الانسان، إذ نريد أجيالًا تفهم الذكاء الاصطناعي لا تستخدمه فقط”. كما لفت الى “ضرورة بناء إنسان حرّ، ناقد مبدع ومتعاطف، إذ تبقى معادلة الذكاء الاصطناعي دقيقة بين التقدّم والضمير”، مضيفًا: “فلنطلق من هذا المنبر صرخة واحدة: نريد تكنولوجيا تقدّم لا تفرّق، تخدم الإنسان ولا تستعبده”.

ثمّ عدّد نخلة أبرز فعاليات المؤتمر والمعرض هذا العام، متحدّثاً عن “ندوات تخصصية تطرح تطبيقات الذكاء الاصطناعي، التعلم المدمج، وبيئات الواقع المعزز والافتراضي، ورش عمل تفاعلية تتيح للمعلمين والإداريين التعرف عمليًا على أحدث أدوات تكنولوجيا التعليم، مساحة عرض متطوّرة لابتكارات الروبوتات، الطابعات الثلاثية الأبعاد، أنظمة الحماية الذكية، ومناهج STEAM العصرية، بالإضافة إلى أحدث أدوات المحتوى الرقمي التفاعلي”.

ولفت إلى “استقبال المعرض زوّاره من المسؤولين والتربويّين والطلاب المهتمين في الأيام التالية: يومي الخميس والجمعة في الثامن والتاسع من أيار من التاسعة صباحاً وحتى السادسة مساءً، ونهار السبت في  العاشر من أيار من التاسعة صباحًا حتى الواحدة بعد الظهر في مركز الأمانة العامة في عين نجم”.

كذلك شرح نخلة برنامج ندوات المؤتمر محدّداً الأوقات والتواريخ والمواضيع والمحاضرين”، مجدّداً في الختام، شكره وامتنانه “لكل شركائنا الاستراتيجيين ولممثلي وسائل الاعلام وبالأخص المركز الكاثوليكي للاعلام، وللجنة تحضير برنامج الندوات الذين عملوا بتفانٍ وبصمت لصناعة حدث استثنائي”.

وشدّد رئيس اللجنة الأسقفية في المدارس الكاثوليكية المطران حنا رحمة على “التوازن الدقيق بين الاستفادة من الإمكانيات الهائلة للذكاء الاصطناعي في تطوير العملية التربوية وبين الحفاظ على الجوانب الإنسانية الأساسية التي لا يمكن للآلة أن تحل مكانها”.

ولفت الى أنّ “الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة قوية للمعلمين والمربّين، مساعدًا في تخصيص تجارب التعلم لتلبية احتياجات كل طالب على حدة، وتقديم تحليلات دقيقة لأدائهم للمساعدة في التدخل المبكر وتقديم الدعم المناسب”، مضيفًا أنه “يمكن أن يساعد في أتمتة بعض المهام الروتينية، مما يتيح للمعلمين التركيز بشكل أكبر على بناء علاقات قوية مع الطلاب وتنمية مهاراتهم الإبداعية والتفكير النقدي.”

في المقابل، حذّر المطران رحمة من “المخاطر المحتملة للإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في التربية”، مشدّدًا “على أهمية الدور الإنساني للمعلّم كقدوة وملهم، وكقيمة فريدة للتفاعلات الاجتماعية والعاطفية في نمو الطفل وتطوّره الشامل”.

ورأى أنه من “الضروري في هذا العصر التكنولوجي التمييز بين الخير والشر”، مؤكدًّا أنّ “المعلّم سيبقى الحجر الاساس لأن الآلة لا تعلّم الرحمة ولا تنمّي الضمير”.

وقال المطران رحمة في هذا الصدد: “لا يمكن للآلة أن تغرس القيم الأخلاقية، أو تعلّم التعاطف، أو تنمّي الذكاء العاطفي بنفس الطريقة التي يفعلها إنسان”، كما دعا الى “تعزيز التفكير النقدي والمسؤول في كيفية دمج الذكاء الاصطناعي في الأنظمة التعليمية، مع التأكيد على الشفافية والعدالة في استخدام هذه التقنيات”.

ولفت إلى “ضرورة اعتماد الابتكار الحذر، وإلى تبني الذكاء الاصطناعي كشريك قيّم في رحلة التربية، مع الحفاظ دائمًا على جوهر الإنسان في هذه العملية المقدسة. إذ يبقى الذكاء الاصطناعي خادمًا الإنسان في مجال التربية، وليس العكس.”

وختم: “التكنولوجيا لا يجب أن تلغي هويتنا بل هي فرصة لنذهب الى البعيد عبر التقدّم العلمي”، معتبرًا أنّ “التربية الحقيقية تبنى على العلاقة والمرافقة ورؤية الانسان في عمقه”.

وأشار الوزير شحادة الى أننا “نعيش في زمنٍ من التّحوّلات العميقة، يقودها الذكاء الاصطناعيّ. ولم تعدْ هذه الثّورة التكنولوجيّة خيارًا، بل واقعًا يفرض نفسه على أنظمتنا التربويّة والاقتصاديّة والاجتماعيّةـ ولهذا السبب أنشئت في لبنان وزارة الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وتعهدت الحكومة ببيانها الوزاري بأن تصبح حقيبةً وزاريةً لا وزارة دولة فحسب، من شأنها مواكبة التطورات التكنولوجية.”

ورأى شحادة أنّ “هذا التحوّل الرقمي يعصف بالعالم أجمع ولا سيّما بالبلدان المحيطة بلبنان، ومن أبرز الأمثلة ما أعلنتْه حكومة دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، باعتماد الذكاء الاصطناعيّ كمادّةٍ إلزاميّةٍ من الروضة وحتّى الصّفّ الثاني عشر، بدءًا من العام الدراسيّ 2025–2026″، مشدّدًا على أنّ “اللبناني بيقى رائدًا في مجال التكنولوجيا، إذ يسافر حوالى سبعين مهندسًا شهريًّا الى الدول العربيّة لإعادة برمجة برامجهم التكنولوجيّة”.

 وشدّد شحادة على ضرورة “إعداد جيلٍ يمتلك الأدوات اللازمة لعصرٍ جديدٍ: جيلٌ يفهم البيانات ويحلّلها، جيلٌ يعي أهميّة الأخلاق في استخدام التكنولوجيا، جيلٌ مدركٌ لتحدّيات الانحياز، وللتّأثير المجتمعيّ للذكاء الاصطناعيّ، جيلٌ يصنع التكنولوجيا، لا يستهلكها فقط.”

أضاف: “الذكاء الاصطناعيّ يساعد في تخصيص التّعلّم وفق حاجات كلّ طالبٍ، ويخفّف الأعباء الإداريّة عن المعلّمين، ويسهّل وصول التّعليم إلى شرائح أوسع، ولا سيّما لذوي الاحتياجات الخاصّة. كما يوفّر أدواتٍ متقدّمةً لرصد الأداء وتقديم مراجعةٍ دقيقةٍ تسهم في تطوير العمليّة التعليميّة.”

 كما شدّد شحادة على أنّنا “في المقابل، نواجه تحدّياتٍ عدّةً. أوّلها عدم توفّر إمكانية الوصول إلى التّكنولوجيا للجميع بشكل متساوٍ، ما قد يعمّق الفجوة بين الطّبقات الاجتماعيّة. كذلك، فإنّ معظم التّطبيقات تطوّر في بيئاتٍ ثقافيّةٍ مختلفةٍ، ممّا قد ينتج عنها انحيازاتٌ في المحتوى والتّوجّه. وهنا تبرز الحاجة لأن نكون منتجين ومطوّرين، لا فقط مستهلكين، عبر بناء حلولٍ مبنيّةٍ على ثقافتنا وقيمنا.”

 وتابع: “لا يقلّ خطر الخصوصيّة أهميّةً، إذ ينتج استخدام الذكاء الاصطناعيّ قواعد بياناتٍ ضخمةً، قد تتعرّض للقرصنة، ممّا يستدعي تعزيز البنية التحتيّة للأمن السيبرانيّ”، موضحًا أنّ “الإفراط في الاعتماد على هذه التّقنيّات قد يقلّل من التّفاعل الإنسانيّ داخل الصفّ، وهو عنصرٌ أساسيٌّ في التّربية، ومن أولويات الوزارة اليوم وضع التشريعات والقوانين والآليات لحماية خصوصية البيانات والمعلومات، وتمكّن لبنان من الحصول على أمنٍ سيبرانيٍّ فعّالٍ.”

وختم شحادة “علينا أن نتعامل مع الذكاء الاصطناعيّ بوعيٍ ومسؤوليّةٍ، واضعين ضوابط أخلاقيّةً وتشريعيّةً تضمن بقاء الإنسان في قلب التّطوّر، لا على هامشه، ولا يكون الإنسان وخصوصاً الطالب ضحيّته.”

وفي الختام قدّم الأب نصر درعًا تكريميّة للوزير شحادة، ليفتتحا بعدها المعرض ويقومان بجولة مع الحضور على أقسامه كافة.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: