نظمت وزارة الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي مؤتمر "قمة لبنان للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي" والذي أقيم في AVA Venue في الأشرفية، برعاية وحضور دولة رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، سفراء مصر، قطر، الهند والإمارات، وعدد من الوزراء: الداخلية والبلديات أحمد الحجار، المهجرين ووزير الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي كمال شحادة، العمل محمد حيدر، الشؤون الإجتماعية حنين السيد، الطاقة والمياه جو الصدي، الصناعة جو عيسى الخوري، الصحة العامة ركان ناصر الدين، التنمية الإدارية فادي مكي، الاتصالات شارل الحاج، الاقتصاد والتجارة عامر بساط، الأشغال والنقل فايز رسامني، وعدد النواب: سامي الجميل، طوني فرنجية، سعيد الأسمر، رازي الحاج، نزيه متى، الياس اسطفان، مارك ضو، وضاح الصادق، نيكولا صحناوي، وعدد من الوزراء والنواب السابقين، وفد إماراتي برئاسة الدكتور محمد الكويتي، ممثلي القادة الأمنيين، المدراء العامين، رؤساء البلديات والنقابات، وعدد كبير من رؤساء مجالس الشركات العاملة في قطاعي التكنولوجيا والاتصالات
بداية رحّب وزير المهجرين ووزير الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي الدكتور كمال شحادة بالضيوف والحضور، معتبرًا أنّ هذا المؤتمر يشكّل محطة أساسية في لحظة مفصلية يمرّ فيها لبنان، حيث باتت التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي عنصرًا مباشرًا في إعادة تحريك العجلة الاقتصادية، وركيزة مركزية في بناء اقتصاد جديد أكثر قدرة على المنافسة والاستدامة.
وأكد شحادة أنّ لبنان يمتلك طاقات بشرية عالية الكفاءة أثبتت حضورها عالميًا في القطاع الرقمي، مشيرًا إلى أنّ هذه الطاقات هي رأس المال الحقيقي للبنان، وأن الاستثمار فيها هو الطريق الأسرع لإعادة إنتاج الثقة، وجذب الاستثمار النوعي، وخلق فرص العمل للشباب، وتحويل لبنان إلى مركز إقليمي للبحث والابتكار.
وتحدث شحادة عن وضع لبنان الحالي في مجال التكنولوجيا، موضحًا أن تأخّر الدولة في هذا القطاع كان نتيجة تراكم الأزمات، إلا أنّ المرحلة الحالية تفتح فرصة جدّية للانطلاق نحو مسار مختلف، قائم على التحوّل الرقمي المنهجي والمنظّم، ووضع قواعد تنظيمية واضحة تساعد القطاعين العام والخاص على تبنّي الذكاء الاصطناعي بأطر سليمة تُحفظ فيها حقوق المواطنين وخصوصيتهم، وتُحمى فيها البيانات الوطنية.
كما قدّم شرحًا مفصّلًا عن مهام وزارة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في الحكومة الجديدة، والتي تشمل تطوير البنية التحتية الرقمية الوطنية، تحديث الإدارة العامة عبر التحول الرقمي الشامل، تعزيز الاقتصاد المعرفي، دعم الابتكار والشركات الناشئة، إطلاق برامج التدريب على المهارات الرقمية والذكاء الاصطناعي، ووضع السياسات والقوانين الناظمة لضمان استخدام مسؤول وأخلاقي للتكنولوجيا.
وأكّد شحادة أنّ الوزارة تعمل ضمن مقاربة تشاركية مع الوزارات كافة، ومع الجامعات والمؤسسات التعليمية، ومع القطاع الخاص، لخلق منظومة وطنية متكاملة تؤسس لتحوّل فعلي، قادر على نقل لبنان من اقتصاد مأزوم تقليدي، إلى اقتصاد إنتاجي رقمي مبني على العلم والتطوير والابتكار.
وختم شحادة بالتشديد على أن التحوّل الرقمي ليس خيارًا إضافيًا للبنان، بل هو مسار إلزامي لإنقاذ الاقتصاد وإعادة بناء الدولة، معتبرًا أنّ لبنان يملك كل ما يحتاجه ليكون لاعبًا أساسيًا في المنطقة في مجال الذكاء الاصطناعي إذا قرّر أن يستثمر بجدّية في قدراته البشرية وفي البيئة التشريعية والتنفيذية التي تحفّز الابتكار.
بدوره، تحدث رئيس مجلس الوزراء الدكتور نواف سلام وقال: "نحن تقدمنا كثيراً في شمال الليطاني، وفي مرحلة الـ3 أشهر الأولى حاولنا احتواء السلاح، أي منع كل أعمال نقل السلاح واستخدامه، وللمشككين نقول هناك تقدم كبير حصل في شمال الليطاني، وفي ضبط الحدود اللبنانية السورية، إن من خلال منع عمليات تهريب السلاح أو عمليات تهريب المخدرات، ويسجل انتشار أكبر للجيش اللبناني مع إقامة حواجز أكثر في شمال الليطاني، ولكننا في بداية الطريق، والمهم أننا قلنا كلاما نعمل على تنفيذه، وهذا التنفيذ سيأخذ وقتاً".
وأشار الى "الاشخاص الذين يزورون لبنان والذين يشعرون بالفرق حين تطأ أقدامهم المطار، فالمطار اليوم مختلف عما كان منذ ثمانية أشهر، كذلك طريق المطار التي باتت مختلفة عن قبل، ونحن نطمح للأكثر".
وعن رده على بيان "حزب الله" بالأمس قال: "نحن قلنا بأن الحكومة استردت قرار الحرب والسلم، ولا كلام لأحد في موضوع الحرب والسلم إلا للحكومة، ولا أعتقد بأن هناك موقفاً أوضح من هذا. أما في ما يخص علاقة لبنان بالعالم العربي فلقد كانت العلاقة سيئة ومتوترة، وأتت حكومتنا وعملت على ترميم العلاقات اللبنانية العربية. ولقد زار فخامة الرئيس جوزاف عون عدداً من الدول العربية، وذهبت أنا الى المملكة العربية السعودية والإمارات، وقطر ومصر، واليوم أنا سعيد جدا برؤية إخواننا العرب يعودون الى لبنان. وأمل أن نرى عدداً أكبر من الإخوان العرب يشاركوننا في18 و19 الشهر الحالي في مؤتمر استثماري سيعقد في بيروت تحت عنوان بيروت1، وانا واثق بأننا سنرى عدداً أكبر".
سئل: هل تعلن اليوم بأن لبنان لم يعد تحت النفوذ الايراني؟
أجاب: "لبنان جزء من العالم العربي، وهو عاد الى الحضن العربي، وسيعود لبنان للعب دوره الفاعل في العالم العربي".
سئل: هل سبقتنا سوريا في العودة الى الساحة الدولية؟
فرد سلام: "نحن لا نتنافس مع سوريا، نحن سعداء بأن سوريا نحو طريقها للاستقرار، واستقرارنا من استقرار سوريا، وقد طوينا صفحة الماضي معها، ونحن مع بناء علاقات جديدة تقوم على الإحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الآخرين. وكما عانينا نحن من تدخل سوريا في الشؤون اللبنانية، كذلك عانى الإخوان السوريون من تدخل بعض الأطراف اللبنانية في سوريا، فهذا عهد إنتهى ونريد بناء صفحة جديدة مع سوريا ونعمل على ذلك. انا ذهبت إلى دمشق، وأكثر من وفد سوري جاء إلى لبنان آخرهم برئاسة الوزير الشيباني، ومن المهم تطوير هذه العلاقات في مختلف المجالات من الأمن إلى تفعيل العلاقات التجارية".

وعن عودة اللاجئين قال: "هناك مشككون، لقد عاد عدد منهم ولكن جاء عدد آخر، فقد عاد أكثر من 350 ألفاً من لبنان إلى سوريا في الأشهر الأخيرة وقبل نهاية العام سيتجاوز العدد الـ400 ألف، وستكون العودة أكبر ونعمل على هذه العودة مع الأمم المتحدة والسلطات السورية، ولقد أزلنا عدداً من الشوائب في هذا الملف، فوكالة اللاجئين هي شريك لنا في هذا الملف وليست عدونا كما اعتبرها البعض، وفي هذه العملية هناك مثلث، لبنان وسوريا والمنظمات الدولية، وحققنا نجاحاً ملحوظاً".
واعتبر سلام ان "عملية الرقمنة وادخال التكنولوجيات الحديثة لاسيما الذكاء الاصطناعي في الادارة العامة، يساهم في تقليص الفساد ويسهل إنجاز المعاملات الادارية وتسريع أمور المواطنين."

وأكد ان "هناك حاجة لتعديل بعض القوانين، وخطتنا واضحة، وأنا على ثقة أننا في العام 2026 نكون قد حققنا تقدماً كبيراً على مستوى تسهيل معاملات المواطنين وانجازها بسرعة وإدخال الرقمنة وبرنامج الهوية الرقمية، ووزير الداخلية يشهد على ذلك وسننجح في تحقيقه".
وأضاف: "نحن بحاجة لنظام مصرفي متعافٍ، ولكن المصارف اليوم لا تقوم بالدور المطلوب منها. ولكي تدور العجلة الاقتصادية كما يجب، يتطلب الأمر إعادة رسملة المصارف وإعادة هيكلة البعض منها، ونحن تقدمنا بمشروعي قانون للاصلاح المالي، الأول يتعلق بمسألة السرية المصرفية التي كانت نعمة في النظام المصرفي اللبناني في نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات من القرن الماضي، واليوم أضحت نقمة على لبنان بعد أن جنحت باتجاه تبييض الأموال وتجارة المخدرات، وقد انتهينا منها. كما تقدمنا بمشروع آخر يتعلق بهيكلة وإصلاح القطاع المصرفي وأقر في مجلس النواب، ونحن نعمل الآن على مشروع ثالث سيبصر النور قريبا في مجلس الوزراء، وسنرسله الى مجلس النواب، وهو قانون الفجوة المالية الذي سيعيد الانتظام الى الحياة المالية، وسيكون المدخل لاستعادة المودعين أموالهم من المصارف".
وختم سلام: "لبنان لديه من الامكانيات البشرية ما يكفي وخصوصا في ظل وجود الجامعات الحديثة وهي من أقدم الجامعات الرائدة في المنطقة، وهذا يصنع التفوق البشري في تأهيل العنصر البشري، ويساعدنا على مواكبة التطور التكنولوحي وعالم الذكاء الاصطناعي ودخول عالم الرقمنة".

خلص المؤتمر إلى مجموعة نقاط أساسية تؤكّد أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرّد تقنية جديدة، بل أصبح “نظام التشغيل الجديد” للدول واقتصاداتها. العالم ينتقل من مرحلة التجارب إلى الإنتاج الفعلي، والنافذة الزمنية أمام الحكومات لتصبح دولًا متقدّمة رقميًا لا تتجاوز بين عامين وخمسة أعوام. ولبنان يعتزم أن يكون من بينها.

أظهرت النقاشات أن الذكاء الاصطناعي ليس ثورة تكنولوجية فقط، بل تحوّل اقتصادي ـ اجتماعي شامل سيحدّد مستقبل التنافس والنمو. التأخير في اعتماده أشدّ خطورة الآن من الجمود السياسي. والدول التي تدمج الذكاء الاصطناعي في عملها اليومي كأساس وليس كعنصر إضافي، ستكون في موقع متقدّم.
وبيّن المشاركون أن غياب بنية تحتية رقمية سيادية يسرّب القيمة إلى الخارج. اليوم، أقل من 1% من قدرة الحوسبة العالمية للذكاء الاصطناعي موجودة في دول الجنوب، ما يجعل الكلفة أعلى بـ 10 إلى 20 مرة مقارنة بالشمال، فيما أكثر من 70% من الاستثمارات العالمية في قطاع الذكاء الاصطناعي تتجه إلى دول الشمال. الرسالة واضحة: رأس المال يتّبع الوضوح. لبنان يحتاج الانتقال من النيّة إلى التنفيذ.
كما لفتت الجلسات إلى أن الهجمات السيبرانية ارتفعت بنسبة 300% عالميًا، وأن 77% من الشركات رفعت موازناتها للحماية السيبرانية. الذكاء الاصطناعي أصبح سلاحًا ذا حدّين، وعلى الأمن السيبراني أن يُعامل كركيزة سيادية لا كإجراء تقني.
أما على مستوى المهارات، فـ85% من المهارات المطلوبة في 2030 لا وجود لها اليوم. الفجوة في المهارات تتوسع أسرع من الفجوة في البنية التحتية. لبنان قادر على تحويل ميزته الأساسية: رأس ماليته البشرية، إلى قدرة رقمية وطنية، عبر شراكات منهجية بين الدولة والجامعات والقطاع الخاص والاغتراب لإنتاج كفاءات رقمية على نطاق واسع.