عند مقاربة خطة إعادة الإنتظام المالي التي تستعد حكومة تصريف الأعمال لمناقشتها في الأسبوع الجاري، وذلك بعد ٤ سنوات من الأزمة وانهيار القطاع المصرفي، أكثر من علامة استفهام تسجل على هذه الخطة “اليتيمة” التي تكرر مخطط الدولة لشطب ودائع اللبنانيين والمصارف بالتوازي مع تغييب أي إصلاحات أو أي تحمل للمسؤولية وكل ذلك تحت شعار وهمي هو رد الودائع وحمايتها.
وفي هذا الإطار، يستذكر الخبير الإقتصادي والمالي نيكولا شيخاني، خطة التعافي السابقة التي كانت عرضت فك الارتباط بين حسابات مصرف لبنان والمصارف، والتي لو نفذت كانت ستؤدي الى خسارة 80 بالمئة من الودائع، بمعنى ان المودعين اودعوا اموالهم في المصارف التي اودعت88 مليار منها في مصرف لبنان المركزي، الذي صرفها بدوره على الدولة اللبنانية عبر شراء سندات خزينة وتمويل الكهرباء او عبر دين مباشر بقيمة 16 مليار دولار و20 مليار دولار بالدعم.
ويشير شيخاني في حديث لـLebTalks أنه ولو نفذت هذه الخطة، كان المركزي حقق خسارة ب72 مليار، وبما ان كامل رصيد القطاع المصرفي يبلغ 20 مليار دولار وفق سعر 1500 للدولار، كانت المصارف افلست كلياً وطارت الودائع.
ومن هنا يرى شيخاني أن “خطة التعافي كانت متوازنة مع مطالب صندوق النقد الدولي ولو حصلت كانت قيمة الهيركات على الودائع 80 بالمئة وضربت الثقة بالبلد، لان صدور قانون باقتطاع هذه النسبة من الاموال من الودائع سيضرب الثقة بالبلد وبالمصارف الى الابد، وبالتالي سينسف النمو الاقتصادي، إلا أنها ستدفع نحو غياب اي محاسبة”.
توزيع الخسائر
ومن المهم انه عند البحث في توزيع الخسائر، يتحدث شيخاني عن التعاقد الذي حصل بين مودعي المصارف والمصارف مع مصرف لبنان المركزي وبين المركزي والدولة، ومن هنا فإن المسؤولية تقع على الدولة بنسبة 50 بالمئة والمصارف 25 بالمئة والمركزي ب25 بالمئة.
ويوضح شيخاني أنه عندما يحصل توزيع للخسائر، يمكن استرداد مئة بالمئة من الودائع الشرعية فإن المسؤولية تقع على 3 أطراف كالآتي:
50 بالمئة تتحملها الدولة (40 مليار دولار) التي ارتكبت اخطاء هائلة كالتعثر في اليوروبند ومن هدر اموال واستدانة مئة مليار دولار وسوء ادارة وفساد، ما ادى الى صرف 120 مليار دولار، كما ان هناك نسبة يتحملها مصرف لبنان الذي ثبت سعر الصرف واعطى سلفات للكهرباء ولتمويل القطاع وخطة الدعم.
يتحمل المصرف المركزي 25 بالمئة( 20 مليار) من المسؤولية عن الخسائر
25 بالمئة تتحملها المصارف(20 مليار) التي لم تلتزم بمعايير الانتباه للودائع(prudential rules) فهي وضعت 88 مليار دولار واستثمرتها في المركزي مما يساوي 400 بالمئة من راسمالها بينما انه كان عليها وضع 25 او 30 بالمئة فقط من راسمالها في مكان واحد وان توزعها حتى انه في حال حصول خسائر لا تكون شاملة.
واذا كانت الخيارات غير متاحة امام المصارف، يضيف شيخاني أنه من حق المصارف وضع الاموال في المركزي لانه بنك البنوك، ولكن كان يجب ان تضعها بالعملة اللبنانية حتى اذا تعثر سيكون قادرا على طبع الليرة وتسديد الدين، لكنها اودعتها بالدولار وهذا ليس خطأ بل خطيئة، وهنا مسؤولية المصارف،
فبعد 17 تشرين حولت المصارف استنسابياً ما بين 8 و9 مليار دولار الى الخارج ولو ابقتها في لبنان كانت ستتمكن من رد نسبة من الودائع للجميع”.
وانطلاقاً مما تقدم، يكشف شيخاني أن
الاخطاء اتت من كل الاطراف،
ولذلك فان توزيع الخسائر يجب ان يتم وفق هذه المعادلة: مسؤولية الدولة 50 بالمئة والقطاع المصرفي 25 بالمئة والمركزي 25 بالمئة.
وهنا، يشير شيخاني إلى أن القطاع المصرفي قدم ربط نزاع على الدولة مطالباً برد الاموال لردها الى الودائع، وقد اعتبر مجلس الشورى دعوى المصارف ضد خطة التعافي وضد شطب الودائع بنسبة 80 ما ادى الى وقف الخطة وهو خطوة جيدة للودائع.
أما بالنسبة للمودعين فيؤكد شيخاني أنه في حال لم تلحظ خطة اعادة الانتظام المالي توزيع الخسائر، فلن يكون بالامكان رد الودائع.
وبالتالي، فإن الهدف من أي خطة ستناقشها الحكومة، هو “المسؤولية وتحميلها لكل الأطراف، لرد الودائع بنسبة ما قام به كل طرف بين الدولة والمصارف والمركزي، لان ذلك سيؤدي الى اعادة تكوين الودائع ورد الودائع واستعادة الثقة بالقطاع المصرفي وتحريك العجلة الاقتصادية.
فهل تحقق هذا الامر بالخطة الحالية؟
يجيب شيخاني بأن “هذه الخطة الجديدة المفترض أن يصوت عليها مجلس الوزراء هذا الأسبوع فهي غير صالحة ايضا لانها لم تلحظ توزيع الخسائر المالية بسبب ارادة الهروب من المسؤولية وتوزيع الخسائر لأن لا أحد يريد ان ياخذ الخسائر بل يريدون وضعها على ظهر المودعين
الخطة الجديدة مشابهة لخطة التعافي”.
ويقول شيخاني إنه “يجب رفع الصوت عاليا ضد هذا التوجه في ما بات يعرف بخطة الحكومة لاعادة الانتظام المالي وهيكلة المصارف تحت شعار رد الودائع، بينما في الواقع، نسفها وشطبها وفق التوجه الاساسي للدولة وهو الهروب من المسؤولية وشطب الودائع كما طلب صندوق النقد الدولي.
وعليه فإن الحل الوحيد هو بتوزيع الخسائر وفق الآتي: 40 مليار للدولة اللبنانية و20 مليار للمصرف المركزي و20 مليار للقطاع المصرفي، وهكذا سنسترد الودائع الشرعية بكاملها عبر خطة قصيرة او متوسطة المدى.”