شيخ العقل بخطبة الأضحى: اتُّخذ قرار قيام الدولة والمطلوب التفاهم والحوار

sheikhl

قال شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز سامي أبي المنى صبيحة عيد الأضحى: "إخواني، أيها المسلمون المؤمنون الموحدون، صباحكم عيدٌ وعيدكم مبارك. إنه صباح الأمل والعمل، يشرق علينا بعد فجرٍ وليالٍ عشر؛ فجر الأمل برحمة الله، وليالي الجهاد في سبيل الله، وإنه العيد يتجلى بمعانيه الروحية والاجتماعية السامية، ويحمل في راحتيه أطباق السعادة للمستحقين الذين فرحوا بالفجر وجاهدوا في الليالي العشر. إننا نرفع الصلاة والدعاء لجميع المسلمين وبني البشر،سائلين الله عزّ وجلّ أن يبصرنا بحقيقة ما خلقنا لأجله،وقد سخر لنا جميع مخلوقاته: ألم تروا أنّ اللّه سخّر لكم مّا في السّماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرةً وباطنةً، لا لشيءٍ سوى لكي نحقق الغاية من وجودنا، وذلك لا يكون إلّا بفعل الإيمان والطاعة والتضحية والشكر والصبر، حيث يجزى المؤمن الشكور الصّبور جزيل الخير والثواب. جاء في الحديث الشريف قوله (ص): "عجبًا لأمر المؤمن، إنّ أمره كلّه له خيرٌ، و ليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاءٌ شكر وكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاءٌ صبر فكان خيرًا له".

 اضاف: "لقد انقضت الأيام والليالي المباركة، وانقضت معها مناسك الحج إحراماً وطوافاً وسعياً وترويةً ووقوفاً، إلى أن أطل يوم التضحية والنحر إتماماً لها وبلوغاً للغاية منها، وما الغاية سوى نيل رضا الله وثوابه بالقبول والطاعة والانصياع لأمره تعالى الذي يبدل العسر يسراً والحزن فرحاً والغم سعادة، وهو الرحمن الرحيم، يمتحن عبده فيجازيه، ويبلوه فيكافيه، ويوفق من سعى في مرضاته، ويفتدي ما هو غالٍ لدى المؤمن الصادق بما هو بخسٌ وإن كان عظيماً، لقوله تعالى:"وفديناه بذبحٍ عظيمٍ"، لأنه تعالى يجازي بالإحسان إحسانا وبالسيئات عفواً وغفرانا، وهو تعالى القائل في محكم تنزيله: "إنّا كذٰلك نجزي المحسنين". طوبى لمن قبل أوامر الله تعالى وانتهى عن نواهيه، فسلك درب التضحية وارتقى في معارج المعرفة وصعد على درجات الحكمة، مغلباً الطاعة على المعصية، والنور على الظلمة، والتواضع على الاستكبار، والحلم على الجهل،والليونة على المعاندة، مضحّياً بأهوائه ورغباته وبكل ما يعيقه عن سلوك الدرب وعن تحقيق إنسانيّته المثلى، ولو كان أثمن ما لديه، وأحب ما عنده، أو بعضاً من هذا وذاك، حيث لا يحمل الله الإنسان ما لا طاقة له به، لقوله تعالى: "لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا وسعها ۚلها ما كسبت وعليها ما اكتسبت". 

 وتابع: "العيد واحة سعادةٍ للروح قبل أن تكون فسحة فرحٍ وابتهاج؛ واحةٌ تتسّع أو تضيق بحسب ما نقدمه من سعيٍ حثيث لإصلاح النفس وإصلاح ذات البين، وبحسب ما نستمر عليه من مثابرةٍ ومجاهدة وما نختزنه من زاد المعرفة والتقوى والعمل الصالح، فهنيئاً لمن عرف معنى العيد فأدخل البهجة الحقيقية إلى قلبه وإلى قلوب إخوانه وأهله ومجتمعه، وهنيئاً لمن أدرك أن العيد صلاةٌ وصلة؛ صلاةٌ بين المؤمن وخالقه، وصلةٌ بينه وبين أخيه ونظيره الإنسان، إذ مهما أقيمت الصلاة وأتم الواجب وصدقت الزلفى إلى الله سبحانه وتعالى، إلا أنّها لا تكتمل إذا لم تقترن بالتقربمن الناس ومحبتهم ورحمتهم، وبعيش الأخوّة الصادقة معهم، وبالتعارف والتقوى. قال تعالى: "يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم إنّ اللّه عليمٌ خبيرٌ". الأضحى معناه التضحية، والتضحية هي غذاء الحياة، والحياة تبنى على المحبّة لا على الكراهية، وعلى صفاء القلوب ورجاحة العقول لا على الحقد والجهل، وقد علّمنا أجدادنا أنّ «حفظ الإخوان» ركنٌ من أركان الإيمان، وأنّ العيش المشترك ميثاق شرفٍ لا يمسّ، وكلا الأمرين لا يقومان بغير التضحية. فمع كلّ أضحيةٍ رمزيةٍ نقدّمها اليوم، ننحر الفرقة ليسلم المجتمع، والأنانية لنحفظ الوطن، والفوضى لنحقق الطمأنية، وقد آلينا على أنفسنا أن نكون أول المضحّين والساعين من أجل صون تراثنا الروحيّ والاجتماعيّ والوطنيّ، والوقوف سدّاً منيعاً بوجه من يحاول تمزيق هويتنا الوطنية الجامعة، وأول المنادين بتحويل المبادئ الروحية إلى مبادراتٍ اجتماعية، سائلين الله تعالى أن يتقبّل منا ومنكم الصلاة والدعاء وأن يجعل من أعيادنا عيداً أكبر للوطن وللإنسانية".

 ومضى يقول: "أما على مستوى الأوضاع الراهنة، فللعيد معنىً إضافيٌّ يدعونا إلى التعامل مع الأمور بمنطق الحكمة والشجاعة، بالإقدام هنا والتضحية هناك، وبالوعي الفردي والجماعي في مواجهة التحديات وأداء مهمة الإصلاح والإنقاذ، وقد لمسنا ذلك في مسيرة العهد الجديد وحركة الحكومة الواعدة، وإن كان المطلوب أكثر بكثير لإعادة البناء نتيجة التراكمات والفوضى التي  تحكّمت بالبلاد على مدى عقود. لقد أثبتت الخطوات الأولى للدولة بأن الأمور تسير في الاتّجاه الصحيح، مما أنعش الأمل والثقة لدى اللبنانيين بدولتهم، ولدى أشقّائهم العرب والمجتمع الدولي بلبنان، وكأنه عائدٌ في القريب العاجل إلى معناه الحضاري ودوره الرسالي وحضوره المؤثّر وواقعه النوعي، إذا ما تشارك الجميع في فهم هذا المعنى ولعب هذا الدور وتأكيد هذا الحضور وصنع هذا الواقع. إنها الشراكة الروحية الوطنية التي نادينا وننادي بها، والتي لا نرى غيرها مظلةً للإصلاح والإنقاذ، شراكةٌ حقيقية تجمع العائلات الروحية والقوى الوطنية وأركان الدولة تحت سقف الوطن الواحد الموحد، وكم نحن بحاجةٍ إلى هذا الغطاء المعنويّ لنصون مهمة الإصلاح من الفساد ولننقذ الوطن من الضياع، خاصةً وأننا نعيش ظروف التغيير الحتمي في المنطقة، حيث التدمير والتهجير في مكان، وأهل غزة يدفعون الثمن الأكبر، وحيث انطلاقة عمليات البناء والاستثمار في مكانٍ آخر، وأبناء سوريا يستعيدون الحياة بقرارٍ دوليٍّ موازٍ، وحيث لبنان يستعد للانطلاق بحذرٍ وبطء، ولكن بإرادةٍ وحزم، على أمل ألا يتأخر فيفوته القطار، وهذا هو التّحدّي". 

 واستطرد: "كم نحن بحاجةٍ في زمن الأضحى المبارك إلى إعلاء صوت الحكمة والإيجابية على أصوات النشاز والعنتريات الفارغة والإساءات المتعمدة والإطلالات الإعلامية الاستعراضية، لأن مسيرة العهد وخطاب الدولة ومقتضيات المرحلة تفرض على الجميع أن يتحلوا بروح المسؤولية وتوجب على المتطرفين إسكات أبواق المناكفة والسلبية في داخلهم. لقد تحقّقت جملة إنجازاتٍ تبشر بالخير، وعولجت جملة قضايا ولا بد من استكمال المعالجات، واتخذ قرار قيام الدولة وبسط سلطتها في كل مكان، والمطلوب هو التفاهم والحوار، ولكن مع الإصرار على القرار، والتأكيد على حل المشاكل العالقة بروح إيجابية تصالحية، لا تصادميّة، وبإرادة وطنية قوية. نريد السلام، ولا شيء غير السلام، لكننا نأبى الإذلال وطمس الهوية الذاتية والوطنية.

نقر بأنّنا نعيش عصر التغيير والانفتاح، لكننا نرفض المساومة على حق الفلسطينيين وعلى حقوق الشعوب المستضعفة، واستمرار حرب الإبادة والتدمير والتهجير وانتهاك حرمة المقدسات".

 وأردف: "نؤيد انتصار الثورة في سوريا على نظام القهر والاستبداد، وقيام إدارة جديدة تستمد قيمها من قيم ديننا الإسلامي الحنيف، لكننا نحذر من التكفير والتطرف والتعصب الأعمى ومن إهمال حقوق الطوائف والمناطق.

نعترف بالواقع الجديد الذي أسفرت عنه حربٌ عدوانيةٌ همجيةٌ مدمرة على جنوب لبنان، لكنّنا ندين استمرار احتلال أراضٍ في جنوب لبنان ومواصلة الأعمال العدوانية بعد حصول اتفاق وقف إطلاق النار، وندعو دول القرار إلى وضع حدٍّ لمحاولات زعزعة الاستقرار والتشويش على نجاح العهد وعلى قرار إعادة بناء الدولة ومؤسساتها".

 وختم الشيخ أبي المنى: "إنه الوقت الأنسب للتضامن ولتعزيز روح الشراكة بين اللبنانيين، ولتشجيع الشباب والمغتربين على الانخراط في مهمة البناء، وقد أطلت بشائر العودة العربية إلى لبنان، ويجب أن تستكمل بتشجيع الاستثمار وإطلاق عجلة المشاريع الاقتصادية التي تحصن الأمن الاجتماعي والغذائي للّبنانيين، وتعود بالنفع على لبنان وأشقائه العرب. ليكن العيد حافزاً لرفع منسوب التفاؤل والأمل، بإقرانه بإرادة التعاون والعمل. أضحى مبارك وكل عيدٍ وأنتم بخير".

وفي إطار المعايدة بعيد الأضحى المبارك تمّ التواصل الهاتفي بين سماحة شيخ العقل سامي أبي المنى وكلٍّ من أصحاب السماحة الشيخ موفّق طريف والشيخ حكمت الهجري والشيخ يوسف جربوع والشيخ حمود الحناوي، وقد تمنّى سماحة الشيخ أبي المنى أن "يكون عيد الأضحى محطة مباركة، لتجديد النهضة الدينية وتثبيت القيم الاخلاقية في مجتمعاتنا، وللتأكيد على التعلق بإرث الأجداد التوحيدي والوطني الذي يبقى حافظاً للطائفة المعروفية ودافعاً لأبنائها لعيش الموّدة والاحترام في ما بينهم، فوق كل الاعتبارات"، وآملاً أن "تزول الغيوم من سماء المنطقة، وأن تبقى طائفة الموحدين الدروز محصنةً دائماً بتراثها التوحيدي وقيمها الاجتماعية وأصالتها الإسلامية والعربية التي عرفت بها عبر التاريخ".

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: