عقدت الهيئة العامة للمجلس المذهبي للطائفة اجتماعاً استثنائياً لها في دار الطائفة في بيروت اليوم الثلثاء، بدعوة من شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي ابي المنى وحضور الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ونواب الطائفة والقضاة وأعضاء المجلس. وذلك لتدارس الأوضاع العامة والتطورات في البلاد.
واستهل الاجتماع بكلمة افتتاحية لأمين سر المجلس المذهبي المحامي رائد النجار، ثم القى شيخ العقل كلمة قال فيها: “يَسرُّنا أن نلتقيَ وإيّاكم اليوم في إطار الهيئة العامة للمجلس المذهبي لنتدارس الأوضاعَ العامة والمستجداتِ المتسارعةَ في بلادنا، فنستمع إلى رأي معالي الأستاذ وليد بك جنبلاط وآراء أصحاب المعالي والسعادة والأعضاء الكرام، فنقرأ معاً واقعَ الحال ونتلمّس آفاقَ المستقبل، علَّنا نتمكن من مجاراة ما تجب مجاراتُه ومداراةِ ما تجب مداراتُه، ونحن الذين ما كنَّا يوماً في هذه الدوحة المشرقية سوى دعاةِ أخوَّةٍ توحيديّةٍ ورسالةٍ إسلاميّةٍ ووحدةٍ وطنيَّةٍ وهويّةٍ عربيّةٍ أصيلة”.
واضاف: “في لبنانَ انطوى المشهدُ بالأمس القريب على دمٍ ودمار وما يُشبه الانهيار، لكنّه أسفر عن اتّفاقٍ أوقفَ آلةَ الحربِ والقتل والتدمير؛ الأمرُ الذي يوجب على الدول الكبرى المعنية والأممِ المتّحدة الضغطَ على العدوّ الإسرائيلي لتطبيقِه وعدمِ خرقِه، وعلى الدولة اللبنانية وقيادةِ المقاومة الالتزامَ باحترامِه وعدمِ السماحِ بتجاوزِه، وعلى جميع القوى السياسية مؤازرةَ الدولة في نهوضِها وتحمُّلَ المسؤولية الوطنية في القيام بالواجب الدستوري لانتخاب رئيسٍ للجمهورية من دون أي مماطلة، إيذاناً بالبدء بانطلاق ورشة استعادة قرار الدولة وبناء مؤسساتها”.
وتابع: “وفي سوريا انطوى المشهدُ أخيراً على انتصارٍ تاريخيٍّ على نظام القهر والتطاول على الشعب السوري الشقيق وعلى لبنانَ وشعبِه، انتصارٍ يوجبُ التهنئةَ والمبارَكة لأبناء سوريا الذين تحرّروا من السجن الكبير بعد سنواتٍ طويلة من النضال وسنواتٍ أطولَ من تحمُّل الظلمِ والإهانة، ولكنّ هذا الانتصارَ يحتاجُ إلى تعاونٍ وتبصُّرٍ من الجميع، وفي مقدَّمتِهم قيادةُ الثورة والمرجعياتُ الدينية وقادةُ المجتمع، من أجل استثمار هذا الإنجاز التاريخي في ما يخدمُ وحدةَ سوريا وتحقيقَ نهضتِها وتثبيتَ دورِها التاريخي في قلب الأمّة، بدءاً بمحاصرة الفوضى وإنجاز الفترة الانتقالية بأكبر قدرٍ ممكن من التفاهم والتعاون، وترسيخ أسس العدالة والمساواة واللاطائفية في دستور البلاد الذي نأمل أن تشتركَ في إعداده جميعُ مكوِّنات الشعب السوري دون استئثارٍ أو استبعاد، وكذلك في التأكيد على وحدة سوريا والتمسُّك بهويتها العربية التاريخية، وهذا ما بدت تباشيرُه المُطَمْئِنة من قبل قيادة الثورة، وما نرجو أن تستمرّ خطواتُه التالية بحكمةٍ وانفتاحٍ وجديّة في مسيرة إعادة قيام الدولة”.
واردف: “وفي هذا الخضمِّ نؤكّد أنَّ إخواننا المسلمين الموحدين الدروز في جبل العرب وفي الغوطة والإقليم وجبل السُّمّاق هم جزءٌ لا يتجزّأُ من الشعب السوري، وقد كانوا دائماً طليعةَ المدافعين عن استقلال سوريا، والمطالبين دوماً بالوحدة الوطنية، والمتمسِّكينَ أبداً بانتمائهم العربيِّ، وقد أثبت أبناءُ السُّويداء في حراكهم السلمي وانتفاضتِهم الشعبية، أنّهم أحفادُ سلطان باشا الأطرش وأبطالِ جبل العرب الذين كانوا بُناةَ الاستقلال وحماةَ وحدةِ الوطن، وأنَّهم يتناغمون بالفعلِ معَ ثورة إخوانِهم المعارضين للنظام والمتصّدين له على امتداد البلاد، كيف لا؟ وهم المتشبّثُون بأرضهم وهويّتِهم، والمستعدُّون دائماً للشراكة الوطنية دون عِقَدٍ أو تردُّد، والمطالبُون بالعيش الكريم في أحضان دولةٍ ديمقراطيةٍ عصريةٍ جامعة، كما أكَّد ويؤكِّدُ بثقةٍ وحكمةٍ وإقدام قادةُ الجبل وأحرارُه الذين ناضلوا وجاهدوا ورفعوا الصوتَ عالياً منذ سنةٍ وأربعةِ أشهرٍ بالتحديد دون كللٍ أو ملل”.
وتوجه الى الموحدين في سوريا وقال: “إخوانُنا الموحِّدون في سوريا هم ركيزةٌ أساسية من ركائز بلاد الشام، وركنٌ ثابتٌ من أركان سوريا، تغنّى بهم التاريخُ وأغنت تجربتُهم الصعوبات، وهم اليومَ جديرون بالانعتاق من قيود دولة الفساد والإفساد التي قبضت على الشعب السوري لمدّة نصفِ قرنٍ من الزمن، وقادرون على التفاعل مع الواقع الجديد بانفتاحٍ وكلمةٍ موحَّدة ومسؤوليةٍ مشتركة. خصوصيتُهم يجبُ أن تُحترَم، وتاريخُهم النضاليّ يجبُ أن يُؤخَذَ بعين الاعتبار من قِبل القوى المنتصرة ومن قِبل الدول المَعنيةِ بالواقع الجديد، فهم لا يُقاسون بالعدد، بل بالدور والتاريخ، وإذا كانت مشاركتُهم موجبةً وضرورية في مسيرة النهوض، فإنّ إشراكَهم في عمليّة صياغة الدستور الجديد وبناءِ الدولة الحديثة حقٌ وواجبٌ”.
واستطرد: “نعم أيُّها الأخوة، نلتقي اليومَ لنؤكِّدَ بأننا عائلةٌ توحيديةٌ معروفيّةٌ واحدة تمتدُّ فروعُها وأغصانُها من لبنانَ وسوريا إلى الأردن والكرمل والجليل والجولان، وإن كنَّا نتبادلُ المودَّةَ ومشاعرَ الأخوَّةِ في ما بيننا، وينتصرُ بعضُنا لبعضٍ في الملمَّات، ونحثُّ أنفسَنا وإخوانَنا على ضرورة صَون أصولِنا الإسلامية والعربية وهويّتِنا الروحية والتوحيديّة وإرثِنا العربيِّ والوطنيّ وتقاليدِنا الاجتماعية الشريفة، إلَّا أنّنا نأبى التدخّلَ في ما لا يَعنينا من سياسات الدول وما لا دورَ لنا فيه، ويتمسّكُ كلُّ مكوِّنٍ منّا بأرضه ووطنِه ولا نرضى بالانسلاخ عنها تحت أية ضغوطاتٍ أو مُغريات، ولنا في إخوانِنا وقادة مجتمعاتِنا في بلادِهم ملءُ الثقة باتّخاذ المواقفِ الصائبة التي يُمليها عليهم تاريخُ الآباء والأجداد وواقعُ الحالِ والبلاد وواجبُ الحفاظ على الأولاد والأحفاد”.
وتابع: “أيُّها الأخوةُ أعضاءَ المجلس، أيُّها الحضورُ الكريم،اسمحوا لي أن أُحيّيَ باسمكم جميعاً وباسم مَن نُمثِّل المواقفَ المشرِّفة لمعالي الأستاذ وليد بك جنبلاط، حامدين الله على وجوده وسلامته، ومثمِّنين عالياً قيادته الحكيمةَ والشجاعة في جميع المراحل الدقيقة التي مررنا بها، وقد كانت المختارةُ دائماً صمَّامَ الأمان وقلعةَ الوطنية والعروبة، معَ زعيمِها نتبادلُ الرأيَ ونحمي الطائفةَ والوطن، ومن عمقِ تجربتِه نستقي المواقفَ الوطنية، وإلى جانبِه وجانب جميع المخلصين نسيرُ بثقةٍ واطمئنان، نواجهُ ونصالحُ ونصون العيشَ المشترك، وبخيط التوحيد والمعروف ننسجُ علاقة طيّبة مع جميع إخوانِنا الغيورين التوّاقين مثلَنا إلى صون الكرامة العامّة وحفظِ المجتمع ونهضة الطائفة والوطن. لقد مررنا بأصعب المراحل وحافظنا على وجودنا وكنّا الأمناءَ على تراثنا وبلادنا، وما المرحلةُ المصيرية التي تمرُّ بها المنطقةُ اليوم إلّا واحدةً من تلك المراحل التي تستوجبُ المزيدَ من الوعي ووحدة الموقف والثبات، أمّا المُغرِّدون خارجَ سرب الإرادة التوحيدية والوحدة الوطنية فلا يحقُّ لهم التلطّي تحت عباءاتِ المشايخ الأجلَّاء وشعارات الذَّود عن الأرض والعرض والكرامة”.
وختم: “تحيةً لأهلِنا في سوريا ولكلِّ أحرار سوريا، وتحيةً للدول العربية الشقيقة وللدول الصديقة ولكل من نصر الحقَّ على الباطل، آملين أن يسودَ الحقُّ دوماً وأن يَزهقَ الباطلُ إلى غير رجعة: “وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا” صدق الله العظيم”.