يوم عُقد الاتفاق السعودي – الايراني برعاية صينية في 10 شباط 2023، إنفرجت أسارير محور الممانعة في لبنان… ويوم أُعلن عن إنفتاح عربي على نظام بشار الاسد في سوريا، سارع هذا المحور الى إعلان “النصر الالهي” للاسد والحديث عن عودة دول الخليج الى الشام مطأطئي الرأس والتعويل على إستثمار ذلك محلياً عبر الحديث عن ارتفاع حظوظ صديق رئيس النظام السوري مرشح “الثنائي” سليمان فرنجية بالوصول الى قصر بعبدا.
سلّف العرب الاسد معنوياً الكثير، فكانت زيارة وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان إلى دمشق في 18/4/2023، بعد قطيعة استمرت 12 عاماً. وافق وزراء الخارجية العرب خلال اجتماعهم بالقاهرة في 7/5/2023 على عودة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية. أبعد من ذلك، شارك الرئيس السوري بشار الأسد للمرة الاولى منذ 13 عاماً في قمة جامعة الدول العربية التي أستضافتها جدة في 19/5/2023.
عوّل العرب على إمكان سحب الاسد من الحضن الايراني وعودته الى الحضن العربي. بعد الايجابية التي عاملوه بها، طالبوه بخطوات عملية تترجم حسن نيته بالسلام وصدق رغبته بالالتزام بالخيار العروبي منها: تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تترافق مع تهيئة الظروف المواتية لعودة اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم، تحرير الأسرى، مكافحة ظاهرة الإرهاب وتهريب المخدرات وفي طليعتها “الكبتاغون”، الحفاظ على سيادة سوريا وإنهاء وجود الميليشيات المسلحة فيها، وقطع الطريق على التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري.
إلا ان شهر آب أطلّ حاملاً تعثراً في العلاقة مع النظام الاسد الذي تخلف عن وعوده وتوقف عملية تبادل السفراء بين دمشق والرياض وترميم الاخيرة لمقر سفارتها في الشام، ترافق مع تعثر العلاقة بين طهران والرياض بدءاً بوقف عودة السفراء إلى كلّ منهما مروراً بتصعيد إيراني بشأن الصراع مع الكويت على إحدى الجزر وكذلك مع عدم التوصل الى إتفاق دولي بشأن النووي الايراني.
هذا الواقع يؤكد أن الرهان على سحب الاسد من الحضن الايراني الى الحضن العربي غير وارد. فالاسد منذ ان لزّم ايران وميليشياتها الدفاع عن سيادة نظامه وإستعان بالروس – بعدما فقد 80% من سلطته على اراضيه – تحوّل من حليف لإيران وروسيا الى “دمية” بيديهما.
صدق رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع حين إعتبر أن الاسد أضحى “جثة” سياسية كما اعلن 23-4-2023 عبر “الجديد” حين اعتبر أن “زيارة بن فرحان إلى دمشق تأتي في سياق جهود عربية لمحاولة فتح الباب نحو سوريا، وأن دولاً عربية عدة تسعى إلى الانفتاح على بشار الأسد، لأنهم يعتبرون أنه الباب الوحيد حالياً للدخول إلى سوريا، على رغم أنهم يدركون أن الأمل ضعيف معه”، مذكّراً أن “الموقف الأوروبي والأميركي في مكان آخر، “فهم يقولون إن الأسد هو شخص غير مرغوب فيه (Persona Non Grata)”.
يومها، راح جهابذة “محور الممانعة” في لبنان يعتبرون أن جعجع يمارس الانكار ولا يفقه في التحولات السياسية ورهاناته خاطئة… اليوم يـتأكد ان الاسد أصبح أسير التصاقه بطهران وأنه مثلها يمتهن سياسات كسب الوقت، لكن حتى لو رست أي تسوية في المنطقة يوماً على بقاء الاسد ستكون مرحلية لأنه جثة سياسية بانتظار تحديد موعد الجنازة.