صورة خوارزمية لـ"جثة داخل مشرحة سرية" في ليبيا تُشبه الإمام موسى الصدر

Doc-P-700738-638186900750671886

تزامناً مع الذكرى الـ47 لاختطاف الإمام موسى الصدر ورفيقَيه في ليبيا، نشرت شبكة "بي بي سي" تحقيقاً يُظهر للمرة الأولى صوراً لجثة داخل مشرحة يُعتقَد أنّها قد تعود للصدر.

يروي التحقيق قصة صورة جثة ووجه متحلّل التقطها الصحافي اللبناني قاسم حمادة، خلال زيارة إلى مشرحة سرية في ليبيا عام 2011، وقيل له آنذاك إنها قد تعود إلى رجل الدين "ذي الشخصية الكاريزمية"، موسى الصدر، الذي اختفى في ليبيا عام 1978.

لقد بدَّل اختفاء الصدر ربما مصير أكثر مناطق العالم اضطراباً دينياً وسياسياً وعرقياً: الشرق الأوسط. فالبعض يعتقد أن رجل الدين الإيراني - اللبناني كان على وشك أن يستخدم نفوذه لدفع إيران – وبالتالي المنطقة – نحو اتجاه أكثر اعتدالاً عندما اختفى على أعتاب الثورة الإيرانية.

لذلك، يتوقّف الكثير على جهود التعرف التي قامت بها جامعة برادفورد، فقد قال قاسم، الذي التقط الصورة، إن الجثة طويلة القامة على نحو غير عادي – وكان الصدر معروفاً بطول القامة التي بلغت 1.98 متراً، لكن الوجه بالكاد احتفظ بملامح تسمح بالتعرّف عليها.

هل يمكننا أخيراً حل اللغز؟

في 25 آب 1978، سافر الصدر إلى ليبيا بدعوة من زعيمها آنذاك العقيد معمر القذافي.

وفي 31 آب ، وبعد انتظارٍ دامَ ستة أيام للقاء القذافي، شوهد الصدر وهو يُقاد بعيداً عن فندق في طرابلس في سيارة حكومية ليبية. واختفى أثره بعد ذلك، وقد زعمت أجهزة أمن القذافي لاحقاً أنه غادر إلى روما، لكن التحقيقات أثبتت زيف ذلك.

لم يكن ممكناً وجود صحافة مستقلة في ليبيا زمن القذافي، لكن في 2011، حين ثار الليبيون ضده أثناء الربيع العربي، فُتحت كوّة صغيرة لتبيان الحقيقة.

بحسب تحقيق "بي بي سي"، كانت هناك 17 جثة محفوظة في غرفة التبريد التي أُدخل إليها – إحداها لطفل، والبقية لرجال بالغين. قيل لقاسم إنّ الجثث محفوظة منذ نحو ثلاثة عقود – وهو ما يتوافق مع الخط الزمني الذي يخص الصدر. جثّة واحدة منها فقط تشبه الصدر.

قال قاسم: "ذلك الدرج الواحد، (الذي تُظهر الصورة موظف المشرحة يفتحه)، يكشف الجثة، ولفت انتباهي أمران فوراً. أولاً، قال قاسم، شكل وجه الجثة ولون البشرة والشعر ما زال يشبه الصدر رغم مرور الزمن. وثانياً، إنّ الشخص بدا أنه أُعدم".

وكان قاسم يبني استنتاجه استناداً إلى الجمجمة، التي بدت وكأنها تعرضت إما لضربة قوية على الجبهة أو لطلقة فوق العين اليسرى.

تسأل"بي بي سي": لكن كيف يمكن أن نعرف يقيناً أن هذه الجثة للصدر؟


أخذ فريق "بي بي سي" الصورة، التي التقطها قاسم في المشرحة، إلى فريق في جامعة برادفورد كان يُطوّر منذ 20 عاماً خوارزمية فريدة تُدعى "التعرّف العميق على الوجه"، وهي تًميّز أوجه تشابه معقدة بين الصور، وأُثبت أنها موثوقة للغاية في الاختبارات حتى على الصور غير المثالية.

وافق البروفيسور أوغيل، الذي يقود الفريق، على مقارنة صورة المشرحة بأربع صور للصدر في مراحل مختلفة من حياته، ثم تمنح البرمجية صورة المشرحة تقييماً عاماً على 100، وكلما ارتفع الرقم زادت احتمالية أن يكون الشخص هو نفسه، أو أحد أقاربه.

وإذا جاءت النتيجة دون الـ50 يُرجّح أن يكون الشخص غير ذي صلة بالصدر. أما بين 60 و70 نقطة فيعني أنه هو أو قريب له. أمّا إذا بلغت 70 نقطة أو أكثر فهذا يُعتبر تطابقاً مباشراً.

وقد حصلت الصورة على نتيجة في الستينيات، أي "احتمال مرتفع" أن تكون للصدر، بحسب ما قال البروفيسور أوغيل.

وللتأكد من النتيجة، استخدم الأستاذ الخوارزميّة ذاتها لمقارنة الصورة مع ستة من أفراد عائلة الصدر، ثم مع 100 صورة عشوائية لرجال من الشرق الأوسط على درجات متفاوتة من الشّبه به.

يُتابع تحقيق "بي بي سي"، حصلت صور العائلة على نتائج أفضل بكثير من الصور العشوائية، لكن أفضل نتيجة بقيت المقارنة بين صورة المشرحة وصور الصدر في حياته.

وأظهرت النتيجة أن هناك احتمالاً قوياً أن قاسم قد رأى جثة الصدر، والحقيقة أن الجمجمة وُجدت متضررة، ما يوحي، على الأرجح، بأن الصدر قُتل.

في آذار 2023، أي بعد أربع سنوات تقريباً من العثور على صورة قاسم للمرة الأولى، تمكّن فريق "بي بي سي" من السفر إلى ليبيا للحديث مع شهود محتملين وللبحث عن الجثة.

في اليوم الثاني من مهمة " بي بي سي" في طرابلس، كان الفريق يبحث عن المشرحة السرية برفقة قاسم، إلّا أنّه لم يتذكر اسم المنطقة التي زارها عام 2011، سوى أنها كانت قرب مستشفى.

ولدى وصول الفريق إلى مبنى المشرحة، لم يُمنَح إذناً للتصوير داخله وفي اليوم التالي، قُبض عليه من قَبل مجموعة رجال مجهولين، واتضح لاحقاً أنهم من جهاز المخابرات الليبية، من دون أي تفسير.

واقتيد الفريق إلى سجن تديره المخابرات الليبية، حيث احتُجز في الحبس الانفرادي، واتُّهم بالتجسس. عُصِبت أعين الصحافيين، واستُجوبوا مراراً، وقد قضوا ستة أيام صعبة في الاحتجاز، قبل أن يُفرَج عنهم بعد ضغوط من "بي بي سي" والحكومة البريطانية.


التحقيقات من طرابلس الليبية إلى لبنان



يؤكد رئيس حركة "أمل" نبيه بري ألّا دليل على وفاة الصدر، الذي لو كان حيّاً اليوم لبلغ 97 عاماً، لكن كانت هناك فرصة للفصل في الأمر بشكل قاطع.

في عام 2011، عندما زار قاسم المشرحة السرّية، لم يكتفِ بالتقاط صورة للجثة، بل تمكّن أيضاً من أخذ بعض بصيلات الشعر، بغرض استخدامها في فحص الحَمض النووي DNA، وقد سلّمها إلى مسؤولين كبار في مكتب بري كي تُخضع للتحليل.

لو ثبتت مطابقتها مع أحد أفراد عائلة الصدر لكان ذلك دليلاً قاطعاً على أن الجثة تعود له، لكن مكتب بري لم يأتِ بردّ على ما اقترحه قاسم.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: